23 ديسمبر، 2024 9:36 ص

مما لا شك أن منزلة الأولياء والعلماء في الإسلام عظيمة، فهم ورثة الأنبياء، وحملة الدين للناس، وهم الذين استشهدهم الله تعالى على وحدانيته، وتشريع قوانينه الالهية وتفصيل الاحكام وتفسير البيان ونشر العلوم والمعرفة الاسلامية والدينية فقال تعالى :(( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم )) .
فإذا كان انتقاد العلماء وفتاواهم اوالتقليل من مكانتهم العلمية والدينية في مستوى علومهم بقصد تجريحهم والتشهير بهم والنقص من قدرهم والنيل من أعراضهم وتتبع أخطائهم وعثراتهم، فإن هذا لا يجوز لمسلم أن يفعله بأخيه المسلم من عامة المسلمين، ويكون التحريم في حق العلماء أشد وأعظم،
لانهم عماد صلاح الأمة ومدرسة ارشادها وتوعيتها مهما بلغت درجات التفاوت فيما بينهم من العلم والمعرفة في علوم الظاهر والباطن في مجالات الفقه والعقيدة وفي المجالات الاخرى من علوم الدين فالإنسان له القدرة على تحمل المسؤولية لكن تبقى قدراته محدودة ويبقى مفهوم التكامل العلمي والمعرفي لله خالق السموات والارض وهو القائل في كتابه الكريم :((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) فالبشر حسب نمط عقولهم وسلوكهم بانماط مختلفة ومتفاوتة في تحمل هذه المسؤولية، في دور فيادة الامة ونشر ثقافة الدين والتصدي للاراجيف والطغاة والمنحرفين ويظل هناك أفراد يتهربون منها وهم من تظهر لديهم صفة إلقاء اللوم على كل الأشياء من حولهم، بحيث دائماً يبحثون عن تبرير لأي سلوك أو فشل ويعتبرونها هي السبب في هذا الاخفاق أو الفشل! اوممن يحاولون التقليل من مكانة وعلمية شخص اخر لغرض اظهار كمال علميته واثبات مرجعيته بادوات التشهير والطعن اومحاولة التقييم لعلميته وهو لم تكتمل شروط واحقية علميته واجتهاده الاعلى وبراهينها من الناحية العلمية فهذا مخالف تماما للمنطق والعقل والدين والاخلاق فهذا ليس ديدن اخلاق المسلم وصفات العالم الذي لا بد من ان يجرد نفسه من النزعة الشخصية والانانية وحب الذات واحترام الأخر
فليس من المستطاع أن تقوم المجتمعات على التكامل الذي يحتاجه كل منا من الناحية المعرفية فكل انسان وكل عالم يكمل الآخر، مهما اختلف نوع اجتهاده وعلمه ومعرفته في الظواهر الباطنية والخارجية وان البعض من هؤلاء جزء معطل تبقى نظرتهم للحياة مرتكزة على الخوف من الاحتكاك بالواقع والاختلاط بالناس بسبب ظروف نشأتهم وغربتهم خارج الحدود
وعدم تصديهم للمشكلات الانسانية والواقعية بشكل مباشر ويحاولون انشاء مستعمرات خارجية لاحتواء والتاثير على المجتمعات التي خارج اسوار تلك المستعمرات عبر نوافذها الفضائية التي تبث اراءها واطروحاتها وهي بعيدة عن واقع تلك المجتمعات ومشكلاتها وازماتها وغير قادرة على ان تحل جزءا من المشاكل لانها لا تمتلك مقومات العامل الرئيسي والمعرفي في التعاطي الإنساني للمشكلات والتصدي لها باشكالها المباشرة
إن البحث عن الكمال يا سيد كمال (الكمال لله وحده) هو شيء جيد ومطلوب، لكن فلنبحث عن أدنى مستوياته في مفهوم العلم والمعرفة وان نكون صادقين مع انفسنا ومع الاخرين وان لا نحاول ان نسيء الى الاخرين والتقليل شأنهم ممن ارتقوا بعلمهم واجتهادهم وان لا نبخس من دورهم ومكانتهم العلمية والاجتهادية امثال “السيد الشهيد محمد صادق الصدر “والذي يعد من اشهر علماء العصروالحوزة العلمية والذي يشهد بحق علمه العدو والصديق والعالم والجاهل
وبشكل عام، لا يوجد إنسان كامل، بل حتى الأنبياء والرسل الذي منحهم المميزات وسخر لهم المعجزات لم يمنحوا صفة الكمال لأنها صفة خاصة تسموا فوق الخلق والمخلوقات تخص الله -سبحانه وتعالى- وحده، وعندما نقيم سلوك شخص او علميته او مكانته الدينية يجب ان نتصرف بمنتهي العقل والحكمة ويكون تقييمنا منصف وعادل وان يستند الى مقومات وضوابط النقد والتقييم العلمي والاكاديمي لمسيرته العلمية والكفاحية والاجتهادية الفكرية وان تتوفر ايضا الشروط الخاصة في حق النقد والتقييم وان يكون مؤهلا في اعلى مستوى علمي والسؤال هل من نستطيع ان نقييم مستوى علمية عالم ديني ونحن لا نمتلك مؤهلات ودرجة التقييم وهل وصل الناقد او المقييم لمستوى التكامل والكمال المعرفي ليقوم بتقييم العالم المجتهد وقياس درجة علميته من خلال المعطيات والنظريات والاطروحات العلمية والفكرية لنتاج العالم المجتهد والفقيه وكشف ظواهر وبواطن علمه ؟ وهل يجوز ان الادنى يحل محل الأعلى في رأيي المهمة صعبة وتكاد ان تكون مستحيلة مقارنة بعدم وجود الامكانيات والقدرات المتاحة لمستوى القائم بالتقييم فالناقد يجب ان تتوفر به شروط الاعلمية والاجتهاد الاعلى من العالم المجتهد وكما اشرنا اعلاه ان عقول الناس ومعدلات النمو الفكري والاجتهاد العلمي في تفاوت حسب علمهم وكفاءتهم العقلية وفي حالة تفضيل الهي عن الأخر ولأنة ليس هناك شيء كامل ولا مثالي بالحياة يجب ان يكون لدينا نوع من التوازن بين تقيمنا لأنفسنا وللأخرين وان نكون على درجة عالية من الحكمة والإنصاف في احترام دور العالم المجتهد ومسيرته الجهادية والعلمية والذي سخر وقته وحياته وكرسها من اجل خدمة الناس والمجتمع وارساء مفاهيم الحق والعدالة الألهية .