“Edelweiss” أو زهرة الألب هي زهرة بيضاء بعطر فواح تتوسّطها حُبيبات صفراء، تنمو على سفوح جبال الألب وسط الثلوج، ومعروفة بتحَمّلها لأقسى الظروف المَناخية، لذا باتت قوتها مَصدَر فخر لسكان جبال الألب، وإتخذوها إيقونة وطنية نراها في الكثير من الأماكن وعلى الكثير مِن مُنتجانهم الوطنية. بل وحاوَروها وغنوا لها لتحفظ وطنهم الذي يُحِبّون، فكانت أغنيتنا موضوع المقال التي تحمل إسم الزهرة! وهي أغنية تقشعر لسَماعها الأبدان، ولايستطيع المرء إلا أن يقِف إجلالاً وإحتراماً لمؤلف كلماتها أوسكار هامرشتاين ومُبدع موسيقاها ريتشارد رودغرس، أغنية تطرح ثقافة إنسانية راقية مُسالمة لحب الوطن، وتتغنى به بلغة الورود، لغة بسيطة دون مُبالغات وشِعارات وفانتازيات، وهي لغة وثقافة يفتقر لها تراثنـا الغنائي الوطني، فبإستثناء”حاسبينك” التي تغازل الوطن بأصالة كلماتهاً ولحنها، فإن أغلب أغانينا الوطنية هوسات عَن العِزة والكرامة والعَظَمة والصُمود والموت والدماء والدمار وتأليه الزعَماء!
إشتهرت الأغنية من خلال فلم صوت الموسيقى، أحد أشهر أفلام هوليوود الغنائية الخالدة، والذي أنتجته فوكس القرن العشرين وأخرجه روين كوستال عام 1965. فلم إمتزجت فيه الطبيعة والموسيقى والملابس لتضفي صبغة ساحرة على صورة النمسا، التي إختزلها الفلم بمدينة موتزرات الساحرة سالزبورغ، وعائلة الضابط النبيل جورج فون تراب،الذي قام بدوره الأسطورة كرستوفر بلومر، وأبناءه ومُربيتهم ماريا،التي قامت بدورها الأسطورة جولي آندروز، وهي عائلة إضطَرتها ظروف الحَرب العالمية الثانية لترك منزلها وموطنها النمسا هرَباً مِن حُكم النازيين، الذين رَفَض تراب الإنضِمام لهم والعمل مَعهم، وفضل الهَرب مع عائلته الى أمريكا حيث إستقروا هناك حتى وفاتهم.
لقد مّثلت أغاني الفلم روحه وكانت أهم أسباب نجاحه، وأصبحت جميعها تقريباً من كلاسيكيات الموسيقى والغناء العالمي التي تدَرّس في المعاهد الموسيقية، كأغنية “دو ري مي” أو “أشيائي المفضلة” أو “صوت الموسيقى” التي تحمل إسم الفلم، والتي غنّتها جولي آندروز في بدايته على سفوح جبال الآلب الساحرة في منظر كان ولا يزال يخلب الالباب، أو أغنيتنا “ايدل فايس” التي إستلهم هامرشتاين نَصّها من كلمات كان يدَندنها سكان الألب مع زهرتهم، في حين إستلهم رودغرس لحنها من موسيقى الفالس التي إشتهروا بها، والتي غناها كريستوفر بلومر في الفلم وهو يعزف الغيتار مُتوسِطاً أبنائه وماريا التي أصبحت زوجته فيما بعد بطريقة كانت ولاتزال تسحر المشاهدين بصِدقها وتفاعلها مع كلمات الأغنية، ونجح في أيصال رسالة كلماتها التي توصي زهرة الألب على وطنه إليهم، فالأغنية الهادئة تحرك المشاعر بصدق وبطريقة تجعل المَرء يذهب بعيداً وعميقاً في حب الوطن،على عكس الأغنية الحماسية التي تلهب هذه المشاعر بشكل آني عابر، وسُرعان ما يزول تأثيرها بزوال شِعاراتها.
تقول كلمات الآغنية بإختصار:
يا زهرة الألب.. يا زهرة الألب..
يا من تحيّيني كل صباح
صغيرة وبيضاء
نقية ومتوهجة
تبدين سعيدة بلقائي
يا زهرة الألب.. يا زهرة الألب..
باركي موطني الى الأبد
ولأنها كلمات بسيطة وصادقة ونابعة مِن القلب دون مُبالغة أو تكلّف، فقد أستجابَت لها السماء وتجاوبَت معها الطبيعة مُمَثلة بزهرة الألب. فمَتى نعود لعِراقيتنا وقبلها لإنسانيتنا ونخاطب الوطن بمِثل هذه اللغة، بلغة زهرتنا الرازقي التي كانت تزيّن مَسائاتنا البغدادية بعِطرها الفواح ولونها الأبيض النقي وتلهم العشاق وتبارك قصص حُبهم وعلاقاتهم النقية الصافية!! فحينها فقط سَتُبارك السماء والطبيعة هذا الوطن وتعيد اليه أمنه وجَماله وألقه، فهل سيأتي مثل هذا اليوم أصلاً وهل سيَبزغ فجره على مُجتمع مَريض مَوبوء عاد اليوم الى عقلية القرون الوسطى ليُناقش حليّة الغناء مِن حُرمَتِه!!
أغنية “Edelweiss” كما غناها الأسطورة كريستوفر بلومر بصوته في الفلم:
https://www.youtube.com/watch?v=8bL2BCiFkTk
أغنية “Edelweiss” بصوت الأسطورة جولي آندروز بمصاحبة الأوركسترا:
https://www.youtube.com/watch?v=EhkXJn8EOug