لا ننفك ننسى التأريخ أو نتناساه، متجاهلين كل عبره وحكاياته، نغض الطرف عن ما في جعبته من تجارب، لنعود وندور في نفس الدائرة القديمة، تلك نفسها التي عاشوها أسلافنا، وكأننا لا ندرك من التأريخ إلا ما نشتهي، لتقلقل ألسننا بقصص أخر اليوم، علَّها تخلصنا من إزعاج طفل ينتظر.. قصة علي بابا والأربعون حرامي!
بمثل هذا المنوال نجد رؤساء الصدفة، يحفظون من التأريخ ما يكفيهم شر بكاء طفلٌ عنيد، أو حوارية مع مراهق لا يفقه من التأريخ شيئا، وعند أول حوار.. يتجرد فخامته من ثوب المنطق، فنراه هزيلاً، خاوياً، خائفاً من لسان الإعلامي “الحرِّيف”.
خمسون عاماً مرت على الحرب الأهلية اليمنية، بين أنصار الملكية والضباط الأحرار والتي انتهت، بإنهاء العهد الملكي وقيام الجمهورية اليمنية، تلك الحرب التي أديرت من خارج حدود اليمن، ومن خارج عقولها! كما يحصل اليوم في “عاصفة الحزم” بنفس اللاعبين ولكن.. بسيناريوهات مختلفة كلياً، فالسعودية ومصر و إيران و إسرائيل حاضرة هنا وهناك، إلا أن الجبهات اختلفت والأهداف تغيرت، أما المبادئ فقد قتلت على مقصلة نسيان التأريخ.
عام ١٩٦٢ اندلعت الحرب الأهلية اليمنية، وكان الدعم السعودي للملكية المتوكلية، التي كانت تتصدى لدفة الحكم منقطع النظير، أما مصر فقد أيدت حراك القوميين من الضباط الأحرار، فنشبت حرب عسكرية بين السعودية ومصر داخل اليمن، لتتعدى إلى كل الجوانب الثقافية والاقتصادية والأمنية بين البلدين.
كان عبد الناصر لا يرى أمامه سوى عدو أسمه أل سعود، يجب القضاء عليه وإنهاء كل ما يمكن أن يؤخر زعامته للعرب، لا سيما مواقف أل سعود من الاشتراكية التي أمن بها جمال، وكذلك مدى التقارب السعودي_ الغربي الذي يرفضه الحالم بحكم العرب.
انتهت الحرب التي امتدت لثماني سنين، بخسارة الرهان السعودي (الذي كان مدعوماً من بريطانيا وإسرائيل)، وتجددت بعد خمسون عام تلك الحرب وتدخل أخر في شؤون اليمن الداخلية، لكن مصر اليوم في طرف إسرائيل!
لم يقرأ السيسي الأمور بعين عبد الناصر، وهو وإن حاول ويحاول تقليد الزعيم بكل تصرفاته.. إلا إن لسحت المال السعودي حلاوته!
بين مصر واليمن مشتركات عديدة جغرافية كانت أو تاريخية، وهي ما قرأها جمال وقرر الدخول في الحرب، أما السيسي فلم يحاول أصلاً تصفح تلك المشتركات، واكتفى بقراءته أرقام حساباته المصرفية. بين تلك وهذه تغيرت الحسابات كثيراً، نظراً لحجم القوة التي امتلكها الشعب اليمني، طيلة هذه الأعوام، وهذا الشعب الذي كان بيدقاً يوماً ما بيد هذا أو ذاك، يعيش اليوم كشعب حر له خياراته واستقلال قراراته، إن تحالف أعداء الأمس، لن يضيف قوة لأحدهما، بل إن هذا التقارب زاد وجه كليهما سواداً وعهراً وندامة، لذلك وجب تذكير السيسي، يا ريس.. من فات قديمه تاه