23 ديسمبر، 2024 1:00 ص

يا إلهي هل كانت مفاهيمنا خاطئة؟

يا إلهي هل كانت مفاهيمنا خاطئة؟

تربينا على مفاهيم تعلمناها في المدارس ومن أقوال وتصرفات أجدادنا وذوينا، وهي مفاهيم تربوية صرفة، تمت معنا وصارت ثوابتا، لا يمكن ان نستغني عنها، بالطبع كانت مفاهيم وطنية بنيت من أصول عقائدية وقانونية وأخلاقية صرفة. لكن التغييرات التي حصلت في العراق بعد الإحتلال الامريكي عام 2003 وتبعه الإحتلال الإيراني عام 2005، جعلنا في ريب من معتقداتنا السابقة، فجميع المفاهيم التي تعلمناها وتربينا عليها، تبين انها لم تعد صالحة للعمل، والأنكى منه، انها صارت باطلة ولا تتناسب مع الوضع الديمقراطي الجديد. صحيح ان تطور الحياة في مختلف الميادين يصاحبها تغير في المفاهيم، حيث ترتقي المجتمعات الى وضع أفضل من السابق، وتزدهر الحياة، وتتحقق التنمية والرخاء في جميع المجالات. ولكن من غير المعقول ان تدور عجلة الحياة الى الخلف عكس بقية الأمم.
لكن ما العلة؟
هل ما تربينا عليه من مفاهيم كانت خاطئة؟ أم ان المفاهيم الجديدة هي الخاطئة، وكنا نحن على صواب؟ أم ان الأوضاع الجديدة هي التي أسست لهذه المفاهيم الجديدة. ولأن الموضوع متشعب سنتناول جانبا هو الأهم برأينا، وسنناقش بقية الجوانب في المقالات القادمة.
هل الجيش سور للوطن؟
كنا نظن ان الجيش سور للوطن، وانه يحمي الحدود، وساحة عمله خارج مراكز المدن، ولقب ابو خليل من الخل لأنه خليل الشعب وحاميه من غدر الأعداء، وان ساحات العرضات أسست لتدريب الجنود هي ساحات الشرف والكرامة التي يستمد منها الجندي المعرفة والخبرة القتالية والضبط العسكري، وتعزز عنده مفهوم الوطنية، ولم نظن في يوم ما ان تتحول هذه الساحات الى للطم وقراءة معركة الطف والنوح والبكاء على الحسين بإشراف الآمرين والضباط. ويقوم رجل دين بإلقاء بكائية حسينية في ساحة العرضات.
كنا نؤمن بصحة شعار (الكلية العسكرية مصنع الأبطال) وان الضابط يهتم بإناقته العسكرية وعصا التبختر، والنجوم التي يحملها على كتفيه ترقيه الى السماء، ونقصد سماء الوطن، والرتبة العسكرية ، تترتب عليها مسؤوليات ضبطية واخلاقية وقانونية، حتى كنا نسمع المثل القائل (لو مُلازم لو مَلازم) فالفتيات يفضلن الزواج من الضباط الشباب. ولم يخطر في بالنا ان نرى صور ضابط برتبة نقيب يدلك قدمي زائر ايراني في كربلاء، أو مجموعة ضباط جالسون على الأرض وقد نزعوا البيريات العسكرية ووضع على رؤوسهم الفارغة صواني من الأكل للزائرين، وحلوا محل موائد الطعام، أو عقيد في الجيش بملابسه العسكرية يصنع الشاي للزوار، ولا القائد العام للقوات المسلحة يلبس دشداشة سورداء ويوزع السندويشات على الزوار كالبائعة الجوالين.
كنا نظن صحة الشعار القائل بأن (عرق التدريب يقلل من دماء المعركة)، وكنا نظن ان القيافة العسكرية لها قيمة عند مرتديها، وهي تشريف له، وان بيرية الرأس أشبه ما تكون بتاج للجندي يضعه على رأسه، كنا نظن ان القائد العسكري هو من يتدرج بسلم الرتب حسب الإستحقاق، ويدخل عشرات الدورات في مدرسة القيادة، وبعد ان يحظى بتوصيات من قبل القادة الذين عمل تحت إمرتهم بأنه يمكن ان يتولى منصبا قياديا، والقيادة كانت تكليف، وليس تشريف. لم يدر في خاطرنا ان معمما يتحول الى قائد عسكري، ولا بائع شاي يصبح نقيبا في الجيش، ولا عناصر مجرمة من الميليشيات يصبحوا قادة في الجيش العراقي وبرتب عليا.
كما نفخر بمنظر طلاب الكلية العسكرية وهم يرددوا القسم في باحة الكلية العسكرية، يقسموا بالله على حب الوطن وكرامته والدفاع عنه حتى الموت، ولم نظن ان الحسين سيسحب القسم من الله، ويكون قسم الخريجيين الجدد من الضباط في كربلاء ويقسموا بالحسين.
كنا نظن ان اللون الخاكي هو سيد الألوان، لأنه لون العز والشرف والكرامة، وهو لون الهوية الوطنية، ولم نظن ان الضباط والجنود نزعوا اللباس الخاكي وارتدوا بدلا عنه الدراكسوتات الرياضية الملونة، وحل ٌ اليشماخ محل البيرية، وحذاء الرياضة بدلا من البسطال.
كنا نظن ان العسكري يستلم الأومر حسب التسلسل القيادي، ولا يأخذ امرا ممن هو أدنى منه رتبه او من خارج قيادته العليا. وكنا نظن ان من يهرب من الواجب الألزامي في الحرب وحماية الوطن يعتبر من العملاء، إن ضفة الواجب الوطني تقابلها ضفة العمالة. ولم نتوقع ان يحكما العملاء والجواسيس ممن هربوا الى ايران وقاتلوا الجيش العراقي.
كنا نظن ان حب الوطن من الإيمان، وليس حب الجيران. ولم نظن ان يضحي عراقيون بوطنهم وينهبوا ثرواته ويعطوها لولاية الفقيه.
كنا نظن ان قوة الهجوم يكون ثلاثة أضعاف قوة الدفاع، وليس (300) داعشي يواجهوا اكثر من ثلاث فرق عسكريه، ويجعلوهم يفروا كالفئران من أمامهم.
كنا نظن أن كلمة سيدي كلمة مقدسة، لها مدلولات اخلاقية وضبطية، يقولها الإدنى للأعلى، حتى لوكان الفرق بينهما أسبقية التسلل الرقمي فقط، مع تماثل الرتبة والدورة العسكرية، ولم يدر على بالنا ان تستخدم كلمة (ابو فلان) و (مولانا) بدلا عنها.
كنا نظن ان العلم العراقي هو سيد الإعلام، وهو هوية الوطن، وما ظننا ان ترفع أعلام ايران وميليشيات ولائية بدلا عن العلم العراقي على المدرعات والدبابات والعجلات العسكرية، من لا يرفع علم العراق، لا يستحق العيش فيه.
كنا نظن ان القائد العام للقوات المسلحة هو الآمر الوحيد للقوات العسكرية، وأوامره تنفذ من قبل جميع القطعات العسكرية، ولم يخطر في بالنا ان تقوم عناصر من القوات المسلحة بسحق صور القائد العام للقوات المسلحة بالأحذية، ويشبهوا القائد بالمعز، ويهددوا بقطع إذنيه، ويبلع القائد العام الإهانه، ويصرف الرواتب لمن إحتذاه، ويرفع من مرتباتهم الشهرية.
كنا نظن ان الشهدا أكرم من من الأحياء، وكل دول العالم تحتفي بشهدائها الأبطال، ولم نظن ان يتحول (الشهداء) الى (أشخاص قتلوا في الحرب)، وتسحب من ذويهم الإمتيازات.
ملاحظة
العبارات العسكرية في المقال عرفتها بحكم كون زوجي من ضباط الجيش العراقي االسابق.