20 مايو، 2024 10:10 ص
Search
Close this search box.

يا أولاد الحلال ( محدش شاف مصر ؟)

Facebook
Twitter
LinkedIn

صورة مصر لدينا نحن العرب هي صورة الذاكرة الحميمية بكل تفاصيل خصوصيتها ، وهي الوحيدة بين بلدان الامة من تشيع خصوصيتها بنسبٍ متساوية لدى جميع ابناء الوطن العربي ، ووحدها من تشارك الهوية الوطنية لدى المغربي واليمني والخليجي والعراقي والليبي والشامي بنسب متوازنة  من خلال الشيوع المشاعر والاحاسيس والمكتسب الثقافي العام في حياتنا لما تصدرهُ مصر ادباً وفناً ولهجة .. فهي بثقافتها والارث المتنوع بسبب المكان والتلاقح الحضاري ميزت دورها وخلقت لشخصيتها الثقافية والحضارية انفردا في الاداء على مستويات النتاج والتصرف والفعل وصارت مصر تكتُبْ ولبنان يطبع والعراق يقرأ ، حيث شكلت هذه البلاد منذ طلاسم اهرامات الفراعنة حاضرة للوعي الحضاري المتغير في طفراته الكبرى حتى على الصعيد الديني بعد وطئها ابراهيم وموسى ويوسف ( ع ) وحتى بدايات النهضة الحضارية الحديثة على يد قاسم امين ومحمد عبده والمنفلوطي وسلامة موسى وطه حسين وتوفيق الحكيم ، ونجيب محفوظ وتوفيق عوض .
 مصر صاحبة غواية قلوب كل العرب ، عبد الباسط صنع فيهم عذوبة صوت القرآن مرتلاً ، وعبد الناصر حفز فيهم الشعور القومي وجعلهم يتظاهرون لأول مرة مجتمعين في كل انحاء الوطن العربي يوم غزا الغرب قناة السويس ، وصوت ام كلثوم ونجاة وعبد الحليم علمهم كتابة رسائل الغرام واكتساب مهارة الاحساس بالحب وقضاء الليل في الارق الساحر لاغنية انت عمري ، وكان كل جنود الحروب العربية يطلبون اغاني السيدة ونجاة قبل ان يطلبوا ( القصعة ) ، ومَنْ مِنَ العرب لم يغريه الضوء المشتعل في صدر هند رستم والنار المحترقة في قبلات نادية لطفي في ابي فوق الشجرة .؟
ومنذ حادثة الفلاح الفصيح في الزمن الفرعوني ومرورا بكيلوباترا وشجرة الدر ولحية محمد علي باشا وأنتهاءً بعزل الرئيس مرسي ، تأريخ مصر يشكل ظاهرة شرق اوسطية نادرة .
هذه الندرة حركت حوافزها ( معي ) وأنا أتالم لما اراه اليوم في مدن وشوارع المحروسة ( أم الدنيا ) وكنت أتصور أن مصرَ عصية في لحاقها بمنطق الفوضى الخلاقة المصنوع بغموض عولمي وثقافة ارهابية وسلفية ومذهبية نراه اليوم ايضا مستعراً في العراق وليبيا وسوريا وتونس .
لهذا لم اضع مصر بالركبِ حتى حين انتصرت في 25 يناير ، ويبدو أن الحسابات الخاطئة تسكننا حتى مع قناعتنا بأن بعض المجتمعات بسبب فصاحتها ونباهة فقراءها قبل اغنياءها يمكن ان تنأى عن هذه الفوضى ، وهاهي تجر اثياب ثوبها بحزن غريب لتدخل المعمعة ، وحين تحترق مصر ، اقسم أن وهران ومسقط والمنامة وعدن ستحترق في نفس اللحظة.
هذا التفكير كله يختصر المشهد في عبارة درامية ممتلئة بالحزن والاحباط والرومانسية والفطنة في يافطة رفعها مصري بسيط من عامة الشعب من بين المتظاهرين ودونة على ورقة وبخط بدائي تقول ( يا ولاد الحلال محدش شاف مصر ؟).
هذا السؤال ليس بريئا وطارئا كأي سؤال تطلبه الجماهير من حكوماتها وعقلائها بل هو سؤال الروح بأدق ما تملك من حزن وجزع وحكمة يمكنها أن تجتمع في الذات المصرية وكأنه يتوارث في يافطته هذه ذات الحكمة التي احرج بها الفلاح المصري البسيط فرعون مصر .
هو لايتحدث هنا عن ضياع مصر كدولة ومؤسسات ، بل ينبهْ الناس الى ضياع جغرافية بحضارتها وحارتها ونيلها وشيراتونها وأزهرها وسعد زغلولها وكرنكها، ولهذا هو لايبحث عنها في اروقة السياسة والامم المتحدة والجامعة العربية بل يبحث عنها بين اقرانه من شعب مصر وفقراءها …!

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب