23 ديسمبر، 2024 10:20 ص

تعلمت الكثير من حياتي في السبعينيات حيث كانت الأمور أفضل بكثير من حياتي البائسة اليوم ، وفي بعض أعوام الثمانينيات والتسعينيات إنشغلت بمغامرات أنستني الحرب والحصار والسجون ، وكنت أهرب من عذابات الناس من حولي الى التجاهل المر أو الى زاوية مظلمة في سهرة ظالمة لكنني لم أشعر بالقهر كما أشعر به الآن ، صحيح أن للمنحرفين من بعض السياسين القدرة على التماهي مع أي وضع سياسي لكن أن ترى ذلك بعينك فهو أمر يثير أعصاب رجل مهنته الصحافة والكتابة يجلس كل ليلة في مقهى كرادي ليسرق ضحكة أو يكتب كلماته الممزوجة بحزنه ، وفي سره يناجي ربه الذي طالما عصاه أن يريحه بالموت ليرحل من هذا الواقع المزري .

يحزن المرء حين يرى التافهين والمنافقين وسراق المال العام والذين إستغلوا مناصبهم لينهبوا الوطن وهم يتحكمون بمصير شعب كامل ويتمنى في سره لو يتمكن منهم ويعلقهم من رقابهم في الساحات العامة ، فمن يسرق المليارات لا يستحق سوى الموت والتنكيل وتقطيع الأيدي الملوثة بدماء وجوع الفقراء الذين يعجزون عن حماية حقوقهم في وطن صار بيد بعض السراق والقتلة والنصابين وأصحاب السوابق وأبناء البيوت الزجاجية التي تتلطخ جدرانها بالفضائح .

لست حصينا بدرجة عالية لأبرء نفسي من الخطأ ولكني مثل آلاف العراقيين الذين يخطئون لكنهم لم ينهبوا المال العام ولم يقتلوا ولم يعطلوا مشاريع الماء والكهرباء لأجل عمولة ولم يبيعوا أو يشتروا المنصب بملايين الدولارات ويتركوا الشعب يعيش الأمراض والأوبئة ونقص الخدمات وحتى إنعدامها ، يأكلني الحزن وأنا أرى التافه والمراوغ يستحوذ على كل شيء ويستحكم بالرقاب وهو لا يستحق أن يكون بمنزلة النزاهة والأمانة بينما الناس تحيطه وتتوسل به وترجو أن يمن عليها بالرضا والقبول ويشملها بعطفه وإحسانه ورضاه .

آه من زمن المارقين والمرتزقة ، كيف أتخلص من هذا الزمن الموحش البغيض وأهرب منه وقد قدر لي الرب أن أستمر فيه ليذلني ويذل العباد أشباه الرجال في البلاد ، جهلة السياسة والمعرفة ومن جاءت بهم الفوضى ليكونوا على القمة وهم لا يستحقونها لأنهم ليسوا أهلها ولا رعاتها ولا بناتها ولا يملكون أدواتها ، فيالك من زمن بغيض ورخيص حين تمكن منا من لا يمتلك الرحمة والموعظة والتجربة فملك زمامنا وصادر حريتنا .. يارب إرحمني بالموت أنك سميع مجيب .