23 ديسمبر، 2024 11:35 ص

و يبـقى الحــسـيــن شامخــاً

و يبـقى الحــسـيــن شامخــاً

في الحقيقة الكثير يتسائل عن سر عظمة الامام الحسين عليه السلام عبر مر العصور فهل هذا البقاء بسبب إقامة الشعائر أم هنالك أمور اخرى و الحقيقة أن الشعائر لا تضيف شيئاً إلى المقامات التي وصل إليها سيد شباب أهل الجنة بل تضيف لمن أقام هذه الشعائر و أحياها .
و يكمن السر في الأهداف التي تبناها الإمام الحسين عليه السلام خلال حركته الإنسانية العالمية و التي نستطيع توضيحها من خلال خطاباته و مواقفه العملية و التي تعتبر أهداف و دروس و عِبر لكل الأجيال و على مدى الدهور و من هذه الاهداف حسب فهمي المحدود تجاه عظمة الامام الحسين عليه السلام :

أولاً : الفناء في الله من خلال العشق الالهي 
من المؤكد أن الامام عليه السلام في حركته كان يطلب الثواب الكبير من خلال الطاعة المطلقة بل الفناء في الله لطلب مرضاته في عبادة الأحرار الخالصة لوجهه تعالى بدون النظر إلى الطمع في الجنة أو الخوف من النار و كما ورد عن رسول الله “صلى الله عليه و اله و سلم” (انه قال للإمام في المنام : يا بني : انه لابد لك من الشهادة , و ان لك درجات عند الله عز وجل لن تنالها إلا بالشهادة).
فهو سلام الله عليه قد أعطى الامثولة للدين الحنيف و أنه يستحق هذا المقدار العظيم من التضحية و الفداء في سبيل الله و في سبيل إقامة الاحكام الاسلامية و الشعائر الدينية .
و ينبغي أن نلاحظ أن الامر مرتبط بالله سبحانه قبل أن يكون مرتبطاً بشيء آخر لأن الدين على عظمته إنما اكتسب الأهمية لأنه أمر الله و نهيه فهو يستحق الفداء في الحقيقة و إن كان هو غني عن العالمين , بل وقع السياق في سبيل الله و في طريق توحيد الله و طاعته و في هذا السبيل قال الامام الحسين عليه السلام :
(هوّن ما نزل بي أنه بعين الله)  .
كما قيل أنه حين سقط جريحاً لا يستطيع أن يواصل القتال كان يردد قول رابعة العدوية :
تركت الخلـقَ طُـرّاً في هواكا … و أيتـمْت العيــالَ لكي أراكا
ولــو قطَّعــتني في الحــبِّ إرباً … لمــا مالَ الفؤادُ إلى سِواكا

ثانياً :  عدم مبايعة الحاكم الظالم
أن الإمام كان مجبراً على المبايعة أو التضحية و هذا الأمر واضحاً حيث يدل على ذلك ما ذكره عليه السلام في قوله : (ألا و ان الدعي بن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة و الذلة و هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك و رسوله و المؤمنون)
و قد اختار الامام الحسين عليه السلام لنفسه أعلاهما و أشرفهما و هو التضحية , و عند الخوض في تفاصيل هذا الهدف تعرض لنا تفاصيل كبيرة و واسعة منها تحويل أخلاقية الهزيمة لدى الأمة إلى أخلاقية الثورة فما حصل في مجتمع ساد فيه الخوف من قول الحق و خير شاهد و دليل على ذلك ما حصل مع سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل عليهما السلام فيما تحولت هذه الهزيمة بعد تضحية الامام الحسين عليه السلام الى ثورات متتالية ضد الظلم و الفساد فهنا المصداق الأكبر لما ورد عن رسول الله “صلى الله عليه و اله و سلم” (حسين مني و أنا من حسين) فهو سلام الله عليه قد أحيا الأمة بعد أن استولت عليها أخلاقيات مغايرة للدين الاسلامي الحنيف.

ثالثاً : طلب الإصلاح في الأمة المسلمة
إن الاصلاح الذي حصل هو الهداية و الرعاية للبشر دينياً و معنوياً و إنسانياً و آخروياً بشهادته سلام الله عليه ، إذ أعطى المثال الأعظم للتضحية الضخمة في هذا الصدد فكان النبراس الأفضل الذي يضيء للأجيال طريقهم باستمرار و إلى مدى الحياة .
و من المؤكد أن هذا الاصلاح هو الذي كان مقصوداً للحسين عليه السلام و مستهدفاً له و هو هدف جليل و لا غبار عليه و قد روي عنه عليه السلام :
( و الله ما خرجت أشراً و لا بطراً , و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله “صلى الله عليه و اله و سلم” اريد ان آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر).