مضى أكثر من شهر على حرب ضروس غرب العراق لم تحدد أهدافها جيدا و لم تتفق عليها الحكومة أو النواب، ما يدخلها في زاوية الأداء المتوتر للملفات الحساسة، فلا الارهاب كما يقولون توقف بعد معركة الصحراء و لامطالب المواطنين قد تحققت بعد رفع خيم المعتصمين، مثلما لم تؤسس الحكومة لحلول عملية، و كأن قرار الحرب و السلام ليس عراقيا.
ونحن لا نذهب الى حد التخوين أو المبالغة في رسم الصورة، فان ما يثير الاستغراب اصرار الحكومة على تصديق روايتها فيما يخص الارهاب في المحافظة، و الاعتماد على خط واحد في ايصال المعلومات و التقارير، وهذا لا يمثل حكمة ، اللهم الا اذا كان قرار الحرب قد أتخذ منذ وقت طويل، ما يضع بين قوسين كبيرين ” الحكمة ” في التعامل مع التحديات و تعمد تسويف الحلول.
لم تكن الفلوجة قنبلة موقوتة لا بوجه الحكومة ولا خططها الأمنية، بينما تباهى بصمودها ضد قوات الاحتلال جميع الجالسين في مقاعد الحكم الأولى في الوقت الحاضر، بل حتى عقلاء السوق الأمريكي اعترفوا بوطنية أهلها، فلماذا تستهدف رمزيتها العراقية بهذه الطريقة، وما المطلوب و من المستفيد و الى متى يتم طمس الحقائق!!
ما يجري في الانبار يبعث على القلق و ينذر بمفاجئات لن تكون سارة، خاصة و أن جهات متنفذة ترافع شعارات لا يجوز حشرها في المهمات الوطنية للجيش، لأن ذلك سيضعه في خانة المتهم و هو ما لا يليق بتاريخ هذه المؤسسة، رغم ما أصابها من ضرر بالغ على أيدي قوات الاحتلال و كل مشاريع أضعاف هيبة العراق، ونحن هنا ندافع عن جيش العراق و لانتحدث عن مشاريع الميليشيات التي تنحت في الصخر لايذاء أو تشويه اخوة العراقيين، بمعاول أجنبية اقليمية و دولية من واشنطن حتى طهران.
اذا كان الدستور قد ضمن للمواطن حق التظاهر السلمي و المطالبة بحقوقه ، فاين وجه الحق الحكومي في وصف ردود أفعال أهل الانبار بالخروج على القانون، ألم يحتجوا سلميا طيلة عام كامل، وتم تسويف مطالبهم البسيطة بارادة سياسية تقترب من التشدد و المغالاة و تبتعد عن الواقعية، حتى يشعر المراقب و كأن الانبار لم تعد محافظة عراقية و أن أهلها غرباء يطالبون بحقوق غيرهم.
لا يتحمل أهل الانبار المسؤولية في كل ما يجري لأن المسؤول عن حماية حدود الوطن هي مؤسسات الدولة العراقية من جيش و شرطة وقوات كمارك، و لا يجوز حرق الأرض تحت أقدام الأبرياء بزعم ملاحقة الجماعات المسلحة ، كما أن شق صف العوائل من أجل الحصول على مكسب سياسي و أمني مؤقت يعد مساسا بالثوابت و اللياقات العامة ، و الأخطر ” فهلوة ” البناء على المزاج الشخصي في التعامل مع القضايا السيادية ومصلحة وطن و أخوة شعب، انه الانزلاق الأخطر الى المحرمات.
ليس هناك عراقي عاقل يرحب بالتطرف و التشدد في الراي و الفعل، مثلما أن العراقيين لم يعرفوا الانغلاق الا على حيهم للعراق و تجانس شعبه، وكل ما يقال عكس ذلك يدخل في صلب التضليل و تشويه الحقائق، نحن شعب متجانس لو تخلصنا من نرجسيات السياسيين غير المتجانسة، و سنكون اكثر شعوب الدنيا سعادة لو عجلنا في التخلص من اسلامية الحكم الشفهي، فقد اقحموا الدين بالسياسية على طريقتهم الخاصة ليس من باب الورع و التقوى بل من زاوية الالتفاف على عواطف الأبرياء لتحقيق غايات شخصية أبعد ما تكون عن مصلحة الوطن و أهله، لذلك لا يجوز أن نستغرب من اقحام الجيش في مقاتلة أهله في الانبار، في سابقة تاريخية خطيرة في تاريخ العراقيين، و” الله يستر من شرالمتغطيات”، مثلما يقول العراقيون ، خاصة وأن المزايدون يذهبون بعيدا في خلط الأوراق و اقحام النفوس بشعارات الفتنة و التطرف و تزييف الحقائق.
رئيس تحرير ” الفرات اليوم”
[email protected]