منذ ألفين وثلاثة والعديد من الأقلام كتبت عن أهمية الخطاب الوطني , وتعبت أكثرها فصمتت أو غادرت سوح السطور , فكل كلام عن الوطن والوطنية والتفاعل الوطني المعاصر وتأكيد قيمة ودور المواطنة , صار أشبه بالنكتة أو الفنتازيا.
ومنذ ذلك الحين إنتفت المفردات الوطنية من الخطاب السياسي , وما وجدنا مَن نطق بها أو وضع الوطن نصب عينيه وهو يخاطب الناس , فالخطابات المتراكمة المتكررة لا تأخذ بنظر الإعتبار قيمة الوطن والمواطن , وهي تتحدث بلغة أخرى ومفردات لا تمت بصلة للمعاني الوطنية.
فما سمعنا كلاما وطنيا من ذوي الأمر , فجميعهم على منهج واحد وسكة واحدة , خلاصتها تغييب الوطن وقتله وإلغاؤه من الوعي العام , وكل قول بالوطن والمواطنة والوطنية تُحسب إعتداءً عليهم وتحديا لسلطتهم وقوتهم ومطلق صلاحياتهم.
فهل سمعتم (معمما) أو (سياسيا) تحدث بلغة وطنية؟!
وهل عشتم عملا أو إنجازا أسعد الناس وأراح المواطنين؟
هل وجدتم من يجمع ويؤالف بين القلوب ؟
هل رأيتم عدلا وإحتراما لحقوق الناس ؟
هل وهل وهل؟!!
وهل أن الوطن وطن , أم كينونات ومناطقيات وفئويات وعشائريات ومذهبيات وتبعيات وتكتلات , فكل مدينة عبارة عن وُطيْن ذي حدود , بل وكل منطقة وقرية , ففي المدينة الواحدة صارت العديد من الجدران والحواجز ونقاط السيطرة , وما لا يُحصى من المسلحين الذين لا يحكمهم قانون ولا ينظم سلوكهم ضابط أو وازع.
بل أن حول كل بئر نفط هناك دويلة لها حدودها وحُراسها ولفاطوها الذين يأخذون حصتهم من النفط , فهي نعمة من ربهم الذي يعبدون .
إن الوطن مغيّب , فلماذا تتباكون على وطن أذهبتموه مع الريح؟!
وعندما ينتفي الوطن من وعي الناس فلا وجود له في حياتهم وواقعهم , ومَن يقتل وطنه يقتل نفسه , وهذا سلوك إنتحاري مارسه مَن لا يفقهون بشيئ ويحسبون أنفسهم يعرفون كل شيئ , فرحم الله الوطن الذي كسّروه فصيَّروه ألف وُطيْنٍ ووُطيْن !!!