19 ديسمبر، 2024 1:41 ص

وين الشغل اكله اكل!

وين الشغل اكله اكل!

ان احد الهموم الرئيسية لكل مثقف يشعر بالمسؤولية عما يحدث حوله في بلده هو كيف ينهض ببلده ويغير الوضع الى الافضل ومن هذا المنطلق يختلف الناس (المثقفون بشكل خاص والعامة بشكل عام) في تشخيص الاسباب التي تؤدي الى التخلف ومحاولة وضع الحلول لها وهذا واجب مقدس لكل من يحس بالمسؤولية والكل يجب ان يكون كذلك ف(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) ومن هذا المنطلق احاول ان اطرح هنا احد اسباب تخلفنا وتدهور الاوضاع من حولنا مع غياب التشخيص الدقيق بل وحتى  الاحساس بالمشكلة من اساسها من قبل الكثير من ابناء الوطن ولسان حالهم يقول (حشر مع الناس عيد!)
لا يختلف اثنان على ان العراق يمر بأزمة بل ازمات تتلو احداها الاخرى بسبب تراكمات قديمة وتأثيرات داخلية وخارجية حديثة ومن اهم الامور التي يعاني منها المواطن العادي هي مراجعة الدوائر الرسمية والذي اصبح بلاءاً لا بد منه فلا وجود لشيء اسمه سياق عمل طبيعي واصبحت معاملات الناس تسير ببطء السلحفاة ان اريد لها ان تسير بشكل (نظامي!) (قانوني!) وتسير بسرعة البرق وتأتيك وانت في البيت أو بأتصال هاتفي بسيط ان كنت من ذوي المعارف او اقرباء المسؤولين وفي الوقت الذي تمتد فيه طوابير المراجعين عشرات الامتار وتتزاحم الناس على نوافذ الموظفين (الخدميين!) تمر الكثير من المعاملات من الابواب الخلفية وينشغل اغلب الموظفين بأنهائها وتسييرها بسرعة البرق والناس تتزاحم وتتقاتل للوصول الى الشباك والتشرف والتبرك بلمسه وتقبيله!
على العموم، فالحديث عن هذه الظواهر لا يحتاج اطالة واسهاب فالكل او الاغلبية واقعون تحت تأثيره وسبق ان مروا به او سمعوا عنه ولكن المهم هو لماذا!!!؟؟؟
في معرض الجواب عن هذا السؤال نذكر عدة حقائق ونربط اجابتنا بها وهي:
1- ان عدد ايام العطل الرسمية لموظفي الدولة يتجاوز نصف عدد ايام السنة واليكم حسبة بسيطة لأثبات ذلك:
– 52 اسبوع مضروبة في يومين (الجمعة والسبت) ينتج 104 يوم.
– 3 ايام شهرياً مظروبة في 12 شهر هذه الاجازات الاعتيادية لكل موظف ينتج 36 يوم.
– يومين ونصف شهرياً مظروبة في 12 شهر الاجازات المرضية لكل موظف ينتج 30 يوم.
– 16 يوم العطل الرسمية من عيد اضحى وفطر ورأس السنة الهجرية والميلادية و10 محرم و20 صفر وغيرها.
– يكون المجموع 186 يوم والسنة 365 فيبقى 179 يوم دوام فعلي (ان داومناها فعلاً!)
2- ان تهاون المدراء مع العرف والقريب والنسيب وصاحب الحزب والنفوذ يجعل كل هؤلاء فوق القانون ولا يفيدون احداً ولا يخدمون بلداً بل هم عالة على الوطن يستنزفزن موارده وامواله بلا مقابل ويقضون اغلب ايام دوامهم بالدخول والخروج بلا حسيب ولا رقيب او التغيب مع وجود من يسجلهم حضور وهكذا بل وتجد اغلبهم بوظيفتين او اكثر وبعدة رواتب وبلا دوام.
3- ان نظام الامومة والاجازة قبل الولادة وبعدها يجعل من النساء (البعض وليس الكل) عبارة عن موظف اسمي تقضي ايام شبابها وحيويتها في الحمل والانجاب وايام كهولتها في المرض والحج والعمرة والزيارة فلا يستفيد منها الوطن الا القليل مقارنة بالرجال (وايضاً ليس كلهم فمنهم من لا يعادل ربع امرأة من ناحية الجهد والاخلاص والتفاني في العمل!) مما يستدعي اعادة النظر في نوعية وليس كمية الوظائف والتخصصات.
4- البطالة المقنعة: لا يخفى على احد ان العراق يحتوي اليوم على عدد موظفين يفوق الحاجة الفعلية بأربع او خمس اضعاف ولا زال التعيين مستمراً كورقة انتخابية لجذب الناخبين واثقال الميزانية بالموظفين تلو الموظفين واما كيف يسهم كثرة الموظفين في رداءة تقديم الخدمات للمواطنين فبسبب ما يسمى ثقافة الاتكالية واللامبالية التي تصيب الموظفين حين يكون المكان الذي يحتاج موظفين اثنين يحتوي على عشرة فيتكل احدهم على الاخر ولا يقوم أي منهم بأي عمل!
5- عدم مراعاة الاختصاص الدقيق وعدم تشجيع الكفوء وعدم محاسبة المقصر والمخالف للقوانين لأن القوانين ببساطة تطبق على البعض دون البعض الاخر.
استناداً الى الحقائق اعلاه نستطيع ان نستشف لماذا لا يقوم الموظفون بأداء دورهم تجاه الوطن والمواطن ولماذا لا يحصل المواطن على حقه في تمشية معاملاته وتسهيل معيشته في دوائر الدولة التي تمتلأ بمواطنين امثاله الا انهم ينسون انفسه حين يجلسون وراء الطاولة وعلى الكرسي المشؤوم ومع ذلك يتسابقون بل ويتحاربون على كل ما يعتبر مكافأة للمجد وتمييزاً له عن غيره فتجدهم يتقاتلون على المكافآت والارباح والحوافز والكل يسعى الى تقييم (ممتاز!) بلا عمل بل بالصوت العالي اللسان الطويل وكثرة المشاغبات بل والتهديد احياناً!
حلول مقترحة:
1- تعديل نظام الرواتب بما يتماشى مع العمل الفعلي وليس العنوان الوظيفي والشهادة وغيرها.
2- اعادة النظر في كمية النساء الموظفات ونوعية الاعمال الموكلة بهن وعدم السماح للوضع الاجتماعي بالتأثير على سياق العمل والالتزام بالدوام الرسمي.
3- الغاء بعض العطل والعودة الى عطلة الجمعة فقط والتي ستفيد الطلبة والموظفين والمواطنين بشكل عام ولن تضر احداً فكل الدول التي تمر بظروف استثنائية تسعى الى مضاعفة الجهود وساعات العمل وليس تقليلها!
4- تفعيل قوانين الخدمة المدنية بمنح كل مخصصات الموظف الحكومي من حد ادنى للرواتب ومخصصات تقاعدية للعاملين في المهن الحرة والاجراء لتقليل الزخم على التوظيف الحكومي وتشجيع العمل الحر والقطاع الخاص وقد كانت هذه الاجراءات موجودة في زمن مضى حين كانت ادارة الموظفين بالورقة والقلم فالوضع الان يفترض ان يكون اسهل بوجود انظمة الكترونية للإدارة الموارد البشرية والقطاعات المختلفة المدنية والحكومية.
5- من امن العقاب اساء الادب هذه قاعدة عامة يجب ان نتبعها ونحاسب المقصر ونثيب المجد والمجتهد ونشجع المبدع ونطبق العدالة فلا يصح مساواة العامل بالعاطل والمجد بالكسول والاتكالي.

أحدث المقالات

أحدث المقالات