على الرغم من ان المفوضية العليا لحقوق الانسان هي واحده من الهيائات المستقلة التي نص عليها الدستور العراقي اضافة الى اصدار قانون برقم 53 لسنة 2008 , والذي نص في مادته الثامنة على ان يكون المرشح غير منتمٍ الى أية تنظيمات سياسية وأن يكون من ذوي الخبرة في مجال حقوق الإنسان, الا ان الكيانات السياسية مازالت تمارس عملية الاستغلال السياسي ومخالفة الدستور(الذي اصبحت فقراته حبرا على ورق) من خلال الاستحواث على كل المناصب في الحكومة ومجلس النواب والسفارات والملحقيات والمنظمات الحكومية وكانها ارث ابدي يعود لهم ولاقرباءهم ولحاشيتهم بالمنافع المادية والمعنوية .
الكيانات السياسية كعادتها لم تستطيع الصمود امام المحاصصة السياسية في الحفاظ على شفافية اجراءات شروط اختيار المرشحين للمفوضية العليا لحقوق الانسان, والمثير للعجب ان مجلس النواب المتمثل بكتله السياسية اصبح محترف باجادة مسرحية الديمقراطية الصورية من خلال وضع قوانين واجراءات وشروط لاختيار المرشحين والنتيجة محسومة في النهاية لاسماء مرشيحهم بعيدا عن الكفاءة و الخبرة و باقي الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 53 لسنة 2008, وبعد تشكيل مجلس النواب لجنة برئاسة الدكتور سليم الجبوري رئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب و عضوية عدد من اعضاء مجلس النواب و كذلك تم اضافة عضوين من منظمات غير حكومية و مراقبين من الامم المتحدة و فتحت هذه اللجنة باب الترشح لكل من تتوفر فيه هذه الشروط للتقديم, وبعد غربلة الطلبات التي وصلت الى مجلس النواب والتي يقدر عددها نحو 500 طلب للعمل ضمن مجلس المفوضين والتي استمرت لاكثر من عام ، قامت لجنة اللاخبراء والتي تتالف من اعضاء ليس لهم علاقة بحقوق الانسان فقط نائبة منهم اختصاص طب اسنان والظاهر مجلس النواب لايفرق بين الانسان والاسنان , قامت هذه اللجنة بغربلة العدد ليصل إلى 60 مرشحا فقط، ولكن في اخر لحظة انهارات الكيانات السياسية و جعلت من الشروط القانونية وراء ظهرها بشكل كامل ولجأت مرة اخرى الى المحاصصة السياسية في اختيار مجلس المفوضين للمفوضية العليا لحقوق الانسان في العراق.
من جانبه مجلس النواب العراقي الذي عضويته ايضا بدون شك مبنية على المحاصصة الطائفية صوت على 12عضوا إلى جانب 3 أعضاء احتياطيين من مرشحي الكيانات السياسية بعد ان قدم كل كيان سياسي مرشحه الذي بكل تأكيد هناك من هو احق منه في تولي هذه المقاعد ولكن لعدم وجود كيان سياسي يدعمه فقد حقه في الحصول على هذا المقعد. اضافة الى ذلك ضمت قائمة المفوضين الجدد أسماء ساسة سابقين ينتمون إلى كتل سياسية، مثل النائبين السابقين عن التيار الصدري والكتلة السنيّة كل من النائب مشرق عباس و النائبة وحدة الجميلي وغيرهما.الجدير بالذكر ان الساسه من الكيانات السياسية لايعانون ابدا من البطالة فحين تنتهي فترة توليهم منصب عضوية مجلس النواب على سبيل المثال يتم ترشيحهم مباشرة الى منصب اخر كالسفارات والملحقيات والمفوضيات والمنظمات العالمية او مستشارين في الحكومة ,المهم ان يبقى يتمتع في امتيازاته المادية على الرغم من امتيازاته التقاعدية مما يثقل كاهل ميزانية البلد التي تعاني التقشف.
أن التصويت على مجلس المفوضين استنادا إلى مبدأ المحاصصة الحزبية يعد مخالفة واضحة للدستور العراقي ولـمبادئ باريس التي أقرتها الأمم المتحدة بشأن تشكيل مفوضيات حقوق الإنسان,فاصرار الكيانات السياسية على المحاصصة الطائفية في اختيار مجلس المفوضين جلب الكثير من الويلات التي قد تضر بهذه المنظمة التي تهدف الى اشاعة ثقافة الانسان ورصد الانتهاكات بشان حقوق الانسان , ومن هذه الويلات :
فقدان جسور الثقة بين المواطن ومجلس النواب, والدليل على ذلك انسحاب الكثير من ممثلي منظمات المجتمع المدني من لجنة الخبراء احتجاجا على طابع المحاصصة الحزبية الذي تم بموجبه اختيار أسماء المرشحين لمجلس المفوضية.اضافة الى ذلك سوف يؤدي ذلك الى تزايد عزوف الكثير من الاكاديمين ذوي الخبرة والعاملين في مجال حقوق الانسان عن المشاركة في الترشيح للمناصب الحكومية ومنها المفوضية لايقانهم بان المناصب هي محجوزة مسبقا لمرشحين الكيانات السياسية.
تراجع عمل المفوضية العليا لحقوق الانسان بسبب اختيار مرشحين على اساس المحاصصة الطائفية ومبدا تقسيم الغنائم بين الكيانات السياسية بعبدا عن معايير الكفاءة والخبرة, والدليل على ذلك اعتراف الامم المتحدة بفشل عمل مجلس المفوضين السابق,والمثير للسخرية ان اعضاء في المفوضية السابقة تم انتخابهم مرة اخرى في المفوضية الحالية على الرغم من فشلهم في المفوضية السابقة.
انسحاب السيد ((فرنشيسكو موتو )) مدير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في العراق من لجنة الخبراء احتجاجا على الطابع الحزبي الذي رافق اختيار اعضاء المفوضية , حيث خصصت (5) مقاعد من مجلس المفوضين إلى التحالف الوطني، و(3) لاتحاد القوى العراقية، و(2) للتحالف الكردستاني، ومقعدا واحدا للحركة الآشورية.
المحاصصة ستقود الى تحول مفوضية حقوق الإنسان بصيغتها الحالية إلى مجرد منظمة محلية لا دولية مما يؤدي الى عدم اعتراف المنظمات الدولية بتقاريرها في مسألة تقييم حقوق الإنسان في العراق, واصرار القوى السياسية بترشيحاتها الحزبية سيعود بالعراق إلى التصنيف (c) بعد ان كان العراق يقع ضمن التنصيف (b) المتواضع بالنسبة لمعايير العمل في مجال حقوق الإنسان، وقد أبلغ مجلس حقوق الإنسان الدولي في جنيف التابع للأمم المتحدة العراق بذلك.
ولغرض الحفاظ على مؤسسة المفوضية العليا لحقوق الانسان بعيدا عن اي استغلال سياسي قد يؤدي الى الانحراف في عملها الحساس يتطلب من رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي ورئيس مجلس النواب الدكتور سليم الجبوري في حكومة الاصلاح بإظهار موقف جدي وقوي وموحد تجاه الخروقات المستمرة والتمييز ضد المواطنين من قبل الكثير من الأحزاب الحاكمة المتمسكة بمبدأ المحاصصة في تولي المناصب المهمة. كما ان هناك مطالب شعبية باعادة النظر في عضوية مجلس المفوضية الحالي الذي شابه الكثير من العيوب والتدخل السياسي والحزبي والطائفي والقبلي واستخدام صلة القرابة بالترشيح والاختيار, اضافة الى ذلك الحكومة مطالبة بالناكيد على اهمية المفوضية العليا لحقوق الانسان بوصفها مؤسسة دستورية تسعى لاهداف تتعلق بضمان احترام حقوق الانسان وتعزيزها في العراق باعتماد وسائل الرقابة والرصد والدراسات ما يتطلب امكانيات وقدرات تتوفر باعضائها تساعدهم على القيام بهذا الدور تبعا لما تتوفر فيهم من خبرات وتجارب ومعارف حقوقية وقانونية وشهادات اكاديمية علمية. واخيرا يمكن القول ان التنوع العرقي والديني والمذهبي في الكثير من البلدان المتقدمة هو مصدر قوة للدولة اذا تم الابتعاد عن التحزب والتخندق الطائفي واعتماد معايير الكفاءة والخبرة في اشغال المناصب الحكومية… فلماذا لا نستفاد من تجارب العالم.