القادمون من الخلف في مباريات كرة القدم، قد يحسمون المباراة لصالح فريقهم، رغم عدم تسليط الضوء عليهم ولا مراقبتهم، إذ تسلط الرقابة في المباراة، على نجوم الفريق وخاصة المهاجمين، أما الإعلام فهو كل همه نجوم المباراة، فحين تشتد المنافسة، وتتأزم الأمور يأتي القادمون من الخلف، بما لم يأتِ به نجوم الفريق.
العبادي أشبه بنجم الفريق وقائده، الذي يسلط الإعلام عليه كل الرقابة والمتابعة، لطالما صدع رؤوسنا؛ بالتصريحات الرنانة والخطابات الفارغة، التي تتوعد الفاسدين وتحاسب المجرمين، فلم يلمس المواطن العراقي، من هذه الخطابات سوى عُطَل بالجملة، تارة بسبب الحرارة والأمطار، وأخرى لانتهاء العيد، وبعض هذه العطل كانت مفاجئة من السيد العبادي، فكان يعلنها بعد منتصف الليل! لذلك يستحق أن نسميه رئيس العطل والخطابات الفارغة.
كَثُرَتْ الأزمات السياسية والأمنية، وظل التراشق الإعلامي بين الفاسدين مستمرا،ً وفي ظل هذه المجريات، أتى وزير الدفاع العبيدي، خلال دقائق بما لم يأتِ به العبادي خلال سنتين! جاء العبيدي قادما من الخلف، فلا إعلام ولا مراقبة، فأعلنها مدوية في وسط شِباك البرلمان، ليضع العبادي أمام مسؤوليته، وليَطلع العراقيون على حجم مصائبهم وبلائهم.
أعلن الوزير أسماء من ساوموه على عقود تسليح الجيش، متهما رئيس البرلمان في التورط بهذه القضية، وأيضاً أعلن من ساومه على سحب طلب استجوابه، المقدم من قبل حنان الفتلاوي، مقابل دفع مليوني دولار، وذكر أسماء عدد من النواب الذين اتهمهم بالفساد، منهم النائب السابق حيدر الملا ،وعالية نصيف وحنان الفتلاوي، ومحمد الكربولي وغيرهم، إضافة لرئيس البرلمان سليم الجبوري، ليكون هذا الحدث “ويكليكس للبرلمان” بصوت القادمون من الخلف.
ما أعلنه العبيدي بالأمس، يمثل نقطة تحول في الصراعات السياسية، وكشف الفاسدين، بعيداً عن الطائفية والحزبية، التي كانت كل مرة وراء تعطيل كشف ملفات الفساد، حيث أن أغلب الأسماء التي ذكرها الوزير كانت من نفس طائفته؛ وبالتالي نتمنى أن يكون هذا الحدث، بداية لتحطيم دعاة الطائفية ومحاسبة المجرمين.
الشعب العراقي عليه أن لا يبدي استغرابه؛ فهذه الفضائح غيث من فيض، فكل هذا الخراب والدمار كان بسبب الفاسدين والفاشلين، الذين تسلموا زمام الأمور وقيادتها، وإلا أين ذهبت موازنة العام 2014؟ هل من مسؤول يجيب؟ وأيضاً من المسؤول عن سقوط ثلث أراضي البلاد، بيد عصابات”داعش” خلال ساعات بدون أي قتال؟ هل تم محاسبة وزير الدفاع ووزير الداخلية، والقائد العام للقوات المسلحة عن جريمة سبايكر، التي راح ضحيتها الف وسبعمائة شاب عراقي؟!
تَحَول الوزير العبيدي من الدفاع للهجوم، قادماً من الخلف ليصيب الهدف، حيث كان قائد الفريق وهدافه غارقاً بالتصريحات والتهديدات، التي لم تأتِ مرادها خلال سنتين، جَعَلَ العبادي أمام مسؤولية كبيرة لابد من تحملها، عليه أن يدعم التحقيقات، وأن يحاول منع أي مساومات حزبية أو طائفية؛ لتغطية هذه القضية، ولا نريد خطاباته البائسة، بل نريده أن يرتفع لمستوى مسؤوليته، التي أراها أكبر منه بكثير، وإلا فأن التأريخ لن يرحمه كرئيس للوزراء.