22 نوفمبر، 2024 2:56 ص
Search
Close this search box.

وهم العقل الإسلامي

وهم العقل الإسلامي

سأسلط الضوء هذه المرة على جزئية من تصورات – العقل الإسلامي – ، وأوهامه وأحكامه التي تعتمد التضليل والمُكابرة والتقليد ومجارات الغير ، يظهر هذا في أدب المتكلمين وأهل المنطق ومقولات الفلاسفة ، وفي
التاريخ وإسقاطاته الشيء الكثير من النماذج وهاكم على سبيل المثال – أكذوبة المعراج – وتهافت قضية – الإسراء – في المفهوم والمصداق ، ودعونا نُركب الحكاية كما هي ، وكما وردت في القرآن الكريم حيث النص
القائل : – ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى .. ) – الإسراء 1 ، يقول أهل اللغة : إن معنى – أسرى
– هو المشي ليلاً أو السير ليلاً ، لكن النص لم يكتف بالمعنى اللغوي فجاء بالمفعول – ليلاً – زيادة في التوكيد ، مع إن هذه الزيادة لا مبرر لها كما يقول أهل اللغة ، فلا هي تفيد البيان ولا تزيد في صحة السير الليلي توكيداً ، ومع ذلك نحن نُسلم بما هو ولا نضفي على
النص مزيداً من الشكوك ، وكلمة – سبحان – تفيد الإستغراق في الوصف تارةً وفي الثناء أخرى ، والمفيد إنها وردت شارحةً لما بعدها ، والجملة خبرية ومضمونها يدل على الماضي البعيد ..
من هنا أقول : إن هذه الحكاية تثير لدينا الكثير من القلق والإبهام والكثير من الغموض ، والكثير من الوهم والخيال ، وهذا كله ناشئ بفعل عدم الدقة الوثائقية التي يمكن الرجوع إليها ، أو الإهتداء إليها في إثبات أصل الحكاية أو عدمها ، سيما وإن الحكاية وردت هكذا من غير تحديد وتميز في الكتاب المجيد ، وهذا ما زاد في مساحة الوهم والخيال والقيل والقال لدى الكثيرين ، والأخبار والروايات التي تحدثت عنها ينقصها الكثير من التحقيق والصحة ، وقد شارك في نسجها أناس لايعتدُ برأيهم ولا يُقاس عليهم من أمثال معاوية وعائشة التي لم تكن حاضرة الوقعة ، وحسب الميثولوجيا الدينية كانت صغيرة وقتها ولم تكن في عصمة النبي بعد
ولم تدر ماحدث في حينه .
وللتوكيد هنا نقول : إننا لاننكر أصل الحكاية كما وردت في الكتاب المجيد وفي شكلها العام ( الإسراء ) ، ولكننا ننكر جملة الروايات والأخبار التي تحدثت عنها ، لأن مجمل تلك الروايات قد زادت في غموضهاً غموضاً
وتعقيداً ، ومايسميه اليوم المسلمين ذكرى – الإسراء والمعراج – ، فهو قول لا دليل عليه وهو ليس سوى إجماع فقهاء ووعاظ سلاطين من الفئة
الرديئة ، ولا علاقة للحكاية بمفهوم الإجماع المنصوص عليه في كتب الأصول ، ومن هنا فلايمكننا الإعتماد عليه أو التصديق به من غير دليل
.
وحين نقول : – إننا لا ننكر أصل الحكاية فهذا القول منا نابعا من إيماننا بصحة نصوص وقصص الكتاب المجيد – ، ولكننا ننكر أن يكون (
يوم أو ليلة 27 من شهر رجب هي تلك الليلة التي يزعمون إنها بها وفيها حدث الإسراء وحدث المعراج ) !!!!! ، والحق إن الإسراء شيء .
والمعراج شيئاً أخرا مختلفا في الشكل وفي المضمون ، وإذا كنا لاننكر الإسراء كقصة ورد ذكرها في الكتاب المجيد ، لكننا بكل تأكيد ننكر – المعراج – في الجملة وفي التفصيل ، فإنتقال النبي وركوبه دابة يسمونها ( البراق ) كما يزعمون هو مجرد هذيان وكلام فاسد لايمكننا الركون إليه والإيمان بصحته ، ولأن هذا القول : – يخالف أصول الإعتقاد فالله وأنبياءه وملائكته وسماواته ، ليست محلاً مادياً يمكن للنبي التجوال والتنقل ، وفي الحكاية التاريخية توحي للقارئ ويكأن كل واحد من الأنبياء قد أحتل ركنا وأعتكف به في أحدى السموات السبع . كما لا يصح الإعتقاد على صحة نبوة محمد بهذا الإستدلال الخرافي الوهمي ، كما لا يصح الركون إلى هذا الخلط بين أصل الإيمان وهذه الميثيولوجيا الزائفة ، ومن يقرأ قصة – المعراج – يُخيل إليه ويكأنه يقرأ فيلماً كارتونياً مُعداً للأطفال ، فالنبي ونبوته قد تخلصت مع القرآن من ثقل الماضي بكل تجاربه ومعجزاته ودخلت عالم المعرفة والتجريد والعلم ، وتخلصت من الوهم والخرافة وسطوة التجربة ووسائل الإيضاح البدائية في الثبوت والإثبات . ولهذا نرفض حكاية المعراج إنطلاقاً من إيماننا بان القرآن إنما يخاطب العقل الإنساني ، بعيداً عن التسويف وعن الخرافة وعن حكايات الإعجاز التي يميل إليها في الغالب قليلي الحيلة ، ومن ذوي المدارك والعقول
البسيطة .
أضف إلى هذا وذاك فإن الربط بين قضية الإسراء وقضية المعراج ، تم بفعل العامل السياسي والجبر التاريخي والعقيدي ، إذ إن قضية الإسراء : ( هي حكاية نبوية وقصة تاريخية خالصة ) جاء بها النبي محمد كدليل على صحة نبوته لأنها تتحدث عن الماضي عن ذلك العبد ، وهي لا تتحدث عن النبي محمد لا في لسان الحال ولا في لسان المقال ، وليس لفظ – عبده – الوارد في سورة الإسراء يعنيه أو يدل عليه ، لأن النص إنما يتحدث بشكل مطلق عن العبد الذي جرت حوله هذه الحكاية ، كحكاية العبد الصالح في قصة موسى ، وكقصة أهل الكهف ، وكقصة أصحاب الأخدود وغيرها ، هي قصة نبوية لا غير ، والذي يؤكد ذلك الرأي ما قاله الزمخشري : فيما رواه عن أنس وعن الحسن في : – [ إن الإسراء قد وقع قبل البعثة النبوية ] – ، أي قبل إن يكون النبي محمد نبياً – ، إذن هي حكاية قديمة ، تحدث عنها النبي محمد عندما صار نبياً ، كما تحدث عن غيرها من القصص الموجودة في الكتاب المجيد .
كما إن المسجد الحرام عندنا : لايعني خصوص الكعبة المشرفة بل هو عنوان عام لكل ما يكون محلاً ومكاناً للسجود والعبادة ، والكعبة المشرفة هي واحدة من هذه المصاديق الدالة على معنى المسجد الحرام ، بدليل
إن أهل التراث أنفسهم قد أختلفوا في معنى المسجد الحرام فمنهم من قال : – إن المسجد الحرام هو كل مسجد يُعبد فيه الله – ،
والحرمة المضافة فيه تعود على العبادة وذكر الله ، فهو محرم أو حرام من هذه الجهة . ومنهم من قال : – إن المسجد هنا يعني بيت النبي – .
ومنهم من قال : – إنه يعني شعب إبي طالب – . وإلى ماهنالك من الأقوال وهي كثيرة ، ثم إن الرواة قد أختلفوا ا في زمن حدوث الإسراء ، كما أختلفوا في زمن حدوث المعراج ، فمنهم من
قال : – إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة – .
ومنهم من قال : – إن الإسراء تم قبل الهجرة بسنة ونصف – ،. ومنهم من قال : – إنه حدث في رجب – . ومنهم من قال : – إنه حدث في ربيع الأول – . ومنهم من قال : – إنه حدث في ربيع الأخر – .
والأقوال فيه كذلك متعددة وكثيرة ومضطربة ، ومن أجل هذا الإضطراب وهذا
التفاوت ، أختلفوا وقالوا : بان ليلة الإسراء هي غير ليلة المعراج .
ويجب التنويه بان المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في الكتاب المجيد لا يعني – بيت المقدس – ، ذلك لأن لفظ ( الأقصى ) في اللسان العربي إنما يدل على المكان الأبعد من جهة القياس من المكان الذي أنت فيه ، فيكون معنى المسجد الأقصى هو المسجد الأبعد وليس بيت المقدس ، وهذا القياس بلحاظ مفهوم المسجد الحرام ومن جهته ، وليس كما يدعي
أو يقول أهل الإعلام والسياسة المحدثين ، وكلامنا هذا ينطلق من كون هذا
اللفظ قد ورد في سياق بيان كثرة البيوت التي كان يعبد الله فيها ، وليس في سياق المفاضلة أو التحديد لمسجد بعينه كما يذهب إليه أهل السياسة
اليوم ، والتحديد كما نعلم مذهب يعتمد التشويه والخلط والتعميه .
وهذا كما ترون تشويه لمقاصد الكتاب المجيد ومايدعوا له وما يريد بيانه ، ومن هنا نقول : – إن الإسراء حدث نبوي وقصة تحدث عنها كتاب الله المجيد وهي لا تدل على أن المُراد بها خصوص النبي محمد ولا تعنيه ، بل هو حكاية من الحكايا وقصة من القصص التي يجب ان نؤمن بها ، كما آمنا بكل القصص التي ذكرها الكتاب المجيد .
لكن – المعراج – وهم و خرافة وخيال ، والإيمان به خلاف العقيدة الصحيحة ومذهب النبي محمد ودين الإسلام ، أقول قولي هذا وأنا
أرى زيف المدجلين من وعاظ ومرشدين ومحرفين للكلم ومعناه ، بما لا ينسجم ولا يستقيم مع العقل السليم ، أقول هذا مشيراً ومبيناً إن العقل الإسلامي في كثير من مفاهيمه وتصوراته ، يعيش الوهم والخرافة والتقليد مما جعله في كثير من الأشياء متخلفا عن أقرانه ..

أحدث المقالات