17 نوفمبر، 2024 7:26 م
Search
Close this search box.

وهم الديمقراطية!!

الديمقراطية سلوك جديد على البشر , فالمسيرة البشرية وعلى مدى العصور محكومة بالقوة والسلطة المطلقة , ولم تحصل تجربة ديمقراطية حقيقية إلا في بدايات تأسيس الدولة الإسلامية في المدينة ونهايتها في الكوفة , وقبلها في اليونان كانت هناك دعوات للديمقراطية أو حكم الشعب , وإنتهت إلى ما إنتهت إليه , ففي التجربة الإسلامية ثلاثة من الخلفاء إنتهوا بالقتل , ولم يسلم منه إلا النبي والخليفة الأول من بعده , وفي اليونان إنتهى سقراط بشرب السم.
وما حصل في العالم من تجارب ديمقراطية منذ الثورة الفرنسية وحتى اليوم , لم تكن سوى سلطة إستبدادية جماعية , السلطة العليا فيها للقانون والدستور , أي أن المجتمع الذي يُسمى ديمقراطيا , محكوم بقوة القانون المطلقة , وهذا يعني أن السلوك البشري لا يمكن تهذيبه والسيطرة عليه إلا بالقوة.
وجميع الأنظمة الديمقراطية في العالم المتقدم , هي أنظمة سيادة القانون وإحكامه القبضة على سلوك البشر , لأن الطبيعة البشرية لاتتفق والحرية بمعناها الجوهري , لتناسيها الشعور بالمسؤولية وميلها لإلغاء حق الآخر أو وجوده.
وهذه العلة السلوكية المترسخة في أعماق الوجود البشري من المعوقات القاهرة لأي نظام يسعى للحرية والديمقراطية بمعانيها الصحيحة العادلة , وما يجري في مجتمعاتنا هو السعي لفرض نظام حكم بتقاطع مع طبيعة السلوك البشري وتأريخ التفاعلات في المنطقة , التي تعودت على نمطية أنظمة حكم قاهرة.
ويبدو أن الصين من المجتمعات التي وعت هذه الحقائق فأسست لنظام حكمها المتفق وطبيعة السلوك والنفس البشرية , ولهذا فهي ناجحة في تأسيس نظام حكم لإدارة شؤون ربع سكان الأرض بنجاح وتفوق على جميع المستويات , بعد أن إبتكرت آليات الإستثمار بالطاقات البشرية وتحويلها إلى ثروة إقتصادية وإبداعية فائقة.
ومن هنا فأن مجتمعاتنا لا يمكنها أن تنجح إلا بدراسة نظام الحكم في الصين , ومحاولة تعلم قوانينه وآلياته التي تصنع الشخص المؤهل لتسلم منصب في السلطة , لأن ما تقوم به الصين يُعد من أنجح الأنظمة السياسية , إنه نظام يعتمد معايير وآليات ذات قيمة قيادية وإبداعية وتثويرية تجدد مسارات الحياة وتفتح الفرص المطلقة أمام أمواج البشر المتدفق من الأرحام.
فالصين نجحت وتجدد نجاحاتها , والمجتمعات التي نسميها ديمقراطية نجحت لكنها تتعثر بنجاحها ووصلت إلى طريق مسدود , وإنحشرت في مآزق إقتصادية وإجتماعية ربما ستؤدي إلى إنفجارات متعاقبة في المستقبل , وستدفع بالحياة نحو الحروب المروعة , لأن أساس كينونتها المعايير الرأسمالية التي تستوجب الإحتكار والعقيدة المادية البحتة , وآليات الربحية الجشعة.
فهل أن الديمقراطية داء أم دواء؟!!

أحدث المقالات