“وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ”.
طالعتنا جلسة استجواب معالي وزير الدفاع السيد خالد العبيدي في مجلس النواب من يوم الاثنين الموافق للاول من شهر آب 2016، بحدث يشبه إلى حد ما بداية الانهيار للأشياء المتصامدة صمودا غير متجانس، وهذا جزاء البرلمان الذي لا يحترم شعبه.
قد ينبأ بداية الانهيار هذا إلى تساقط رموز الفساد واحدا تلو الآخر إن لم يبادروا لاحتواء الموضوع والتعتيم عليه ولملمته بنفس الوتائر السابقة لقضايا سابقة فاحت ريحها للحد الذي أزكمت فيه أنوف العراقيين بمشهد مسرحي يؤدي بالنتيجة إلى غلق الموضوع برمته حيث يتنحى جميع الأطراف أمام سطوة المال والسلطة والنفوذ السياسي.
لابد أن اشير إلى أن الاحتواء يجري وفق مرور القضية بعدة محطات، قد تكون محطة القضاء هي الأخيرة بعد محطة الادعاء العام، وخوفنا أن ترضخ تلك المحطتان لكي يكون تخريج القضية فيهما ومن خلالهما إلى لا شيء أو إلى حالة”وكأن شيئا لم يكن” ويجري الاحتواء وفق المعايير السياسية لا القضائية بموجب صفقات سياسية قد تكون معدة لهذا الغرض منذ بداية أزمة الانهيار.
إن ما حدث في مجلس النواب بجلسة الإستجواب التاريخية المعهودة، هز مشاعر ووجدان العراقيين، وزرع فيهم بارقة أمل بأن هذا الانهيار الذي صنعه السيد وزير الدفاع عند جلسة الإستجواب قد يكون هو البداية المرتقبة لمعركة مكافحة الفساد والقضاء عليه باعتباره الوجه الثاني للإرهاب.
إن ما طرحه السيد الوزير في تلك الجلسة يمثل خطوة مهمة في خارطة طريق مسيرة تحرير العراق من طغمة الفساد والمفسدين، وبادرة قضائية نادرة مدعومة باعترافات ومبرزات جرمية بطريقة قد لا تتكرر مرة أخرى فيما انها لو تستثمر بشكل صحيح، ولو أن البعض من السياسيين بمقدورهم الإتيان بمثل ما اتى به هذا الوزير بما يمتلكون من معلومات ومعطيات تتعلق بالفساد ألا أنهم ينأون عن أنفسهم عن ممارسة هذا الدور لتورطهم بقضايا فساد معروفة لدى غرمائهم يعاقب عليها القانون، وهذا الوضع بحد ذاته يعني تحفظ الأغلبية في الحكومة وفي مؤسسات الدولة الرسمية بعدم القبول في محاربة الفساد بالطرق القانونية والكشف عن ابطاله المفسدين والمتسترين بسبب هيمنة النظام الحزبي والمحاصصاتي على العملية السياسية برمتها، كما وأن محاربة الفساد تستوجب ركوب حالة الخروج على المعهود، وعلى توفر صفات خارقة للشخص الراكب والمتصدي للفساد كالشجاعة الفائقة والاقدام والحصافة والبسالة والنزاهة الشخصية، والخروج على هذا المعهود لا قدرة لأحد عليه وسط سطوة المحاصصة والفساد وطول أذرعه الاخطبوطية. إن اعتراف السيد الوزير بهذا الإستجواب الفريد من نوعه وبهذه الطريقة التي تدل على صدقه العالي وعلى حقيقته التلقائية ومهنيته الجيدة وشجاعته الباسلة وإنسلاخه بإتجاه مهنته كضابط إعتاد على حمل شرف الجندية بعيدا عن الطائفية والمحاصصة، والذي إن دل على شيء إنما يدل على”أن الله يمهل ولا يهمل”، وأن حوبة الشعب العراقي ودماء شهدائه الابرار سوف لن تذهب سدى، وتدل على أن البرلمان ومنبثقاته هو بؤرة الفساد الأساسية، وهو أصل وفرع جميع بؤر الفساد المنبثقة في مؤسسات الدولة.
نفهم أن ما وراء تفجير هذا “البالون” من قبل السيد العبيدي بغض النظر عن خصاله ومواهبه الشخصية التي يتميز بها فهو لا يؤشر بالضرورة على أنه كان يريد الثأر للشعب العراقي ولأمواله المسروقة والمهدورة والمنهوبة، أو أنه يريد النيل من البرلمان الذي لا يحترم شعبه ولا ناخبيه، إنما كان تصرفه هو كرد فعل على هذا الإستجواب السياسي التسقيطي المدبر الذي قام به اشخاص غير نزيهين بحسب تعبيره، والأمر لا يخلو من التجاوز على الحدود الشخصية من خلال هذا الإستجواب بصفته كوزير للعسكر في حرب خاضتها وزارته فكان فيها العراق منتصرا على داعش، فحول وبموجب تلك الملكات التي يحملها إلى قضية وطنية عامة وليست شخصية كما يظن الجميع.
وهذي هي أهم الأسئلة التي تدور في الشارع العراقي بعيد الفترة التي أعقبت جلسة الإستجواب اقتضبت منها ما يلي:
*ماذا لو تم الكشف عن معظم ملفات الفساد في بقية الوزارات ومؤسسات الدولة الاخرى في البرلمان والقضاء والنزاهة والجهات الرقابية والمصرفية المتعددة في بغداد وجميع المحافظات؟.*وهل ينظر القضاء بجميع القضايا المتعلقة بالفساد على وتيرة واحدة دون الرضوخ للضغوط السياسية المختلفة؟.
*وهل يرضخ السياسيون لقرار المحاكم المختصة بإعادة جميع الأموال العراقية المسروقة والمنهوبة إلى خزينة الدولة؟
*وهل تستمر المحاصصة على اجواء البرلمان والمؤسسات الحكومية بعد الآن؟.*وهل يصار إلى حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة، آم المضي بالوضع القائم الحالي لحين انتهاء فترة الدورة الانتخابية مع انتخاب رئيسا للبرلمان خارج نظام المحاصصة بديلا للسيد الجبوري؟.*وهل سيصير السيد خالد العبيدي بعد أن طفح الكيل من نظر العراقيين رمزا منقذا من رموز العراق الذين يكتب اسمائهم التاريخ بحروف من ذهب، أم سينحى وتعرض أوراقه على القضاء؟.
طــــفح الـــكــيـــل
طفح الكيل.. وقد آن لكم أن تسمعوا قولاً ثقيلا نحن لا نجهل من أنتم.. غسلناكم جميعاً
وعصرناكم.. وجفّفنا الغسيلا
ارفعوا أقلامكم عنا قليلا
واملؤوا أفواهكم صمتاً طويلا
أنتم الأعداء
يا من قد نزعتم صفة الإنسان.. من أعماقنا جيلاً فجيلا
واغتصبتم حقنا منّا
وكنتم لأعوام… لحقوق الخلق محتلاً أصيلا
أنتم الأعداء
أتعدّون لنا مؤتمرا؟
كلا
كفى
شكراً جزيلا
نحن نرجو كل من فيه بقايا خجل.. أن يستقيلا
نحن لا نسألكم إلا الرحيلا
وعلى رغم القباحات التي خلفتموها
سوف لن ننسى لكم هذا الجميلا
ارحلوا
أم تحسبون الله لم يخلق لنا عنكم بديلا؟!
أي إعجاز لديكم؟
هل من الصعب على أي امرئ.. أن يلبس العار
وأن يصبح لصا ذليلا؟!
أي إنجاز لديكم؟
هل من الصعب على القرد إذا ملك المدفع.. أن يقتل فيلا؟!
ما افتخار اللص بالسلب
وما ميزة من يلبد بالدرب.. ليغتال القتيلا؟!
احملوا أسلحة الذلّ وولّوا.. لتروا
كيف نُحيلُ الذلَّ بالأحجار عزّاً.. ونذلُّ المستحيلا