كلنا يذكر ماصرح به الرئيس الأمريكي اوباما في تعليقه عن اجتياح عصابات داعش الأراضي العراقية، حيث قال عن الأزمة بأنها: “مشروع طويل الأمد وتستغرق وقتا لانهائها”. وقطعا لم يأت اوباما بهذا التحليل (من جيبه)، فهو أدرى بشعاب داعش ودهاليزها وبداياتها ونهاياتها أيضا، كما أنه يدرك تمام الإدراك ما يدور في فلك ساسة العراق، ومستجدات الأمور على الساحة السياسية العراقية، فضلا عن العسكرية والأمنية، فهو حتما يعي تداعيات الخلافات بين رؤساء الكتل والتحالفات، وما تؤول اليه صراعاتهم في تأخير اتخاذ قرارات عديدة، يتسنى بموجبها التحرك لمجابهة هذه الأزمة. وهو -أوباما- في تصريحه هذا إنما يعكس صورة العراق الجديد من منظار بعيد وواسع، وقطعا هو ليس ابن البلد، أي كان حريا بابن البلد ممن يملك زمام احتواء الأزمة، أن يسد الطريق على التأويلات والتصريحات لهذا الرئيس او ذاك الملك. وقد يكون أوباما يتحرك من منطلق الاتفاقية الأمنية المبرمة بين العراق وأمريكا إبان الاحتلال، إلا أن من غير المنصف ان تبقى دولة مثل العراق ذي التاريخ الموغل في القدم، معلِّقة مصيرها الأمني على أمل اسعاف من أمريكا في ساعات الشدة والكرب، وهو أمر كان الأولى بساسة البلد الالتفات اليه، بدل التمادي في مناكفاتهم على المناصب والكراسي والمنافع الشخصية، مايفضي الى فسح المجال أمام قوى ضالة تأتي من خلف الجبال والوديان، لتكرر مافعله هولاكو بالعراق.
ولو رجعنا بذاكرتنا الى الوراء قليلا، للمسنا كيف كانت اهتمامات قادتنا بمفاصل البلد، فقد كانوا ينهون تحضيرات لمؤتمر مصالحة، ويدخلون في متاهات اجتماع للم الشمل ورأب الصدع، وما إن ينتهي الاجتماع على فرقة وخصام، حتى يلِجوا في مباحثات لتقريب الرؤى ووجهات النظر، لايخرجون منها إلا بتنافر شديد في الآراء، وتفاوت كبير في الفِكَر. وعلى هذا المنوال قضوا ساستنا ورؤساء كتلنا سنوات خدمتهم (براس العراقيين) من دون تحقيق جديد غير تخريب البنى التحتية، انعدام الخدمات، اتساع رقعة الفساد، انتشار البطالة، تدهور وضع البلد الاقتصادي، ضعف الجانب الأمني، ولا أدري أين يصل بنا عد سلبيات ماجناه علينا ساستنا المنتخبون، الذين أوصلونا الى حال يستوجب تدخل اوباما او بوتين كحَكَم او (فريضة) او (عارفة) يحل لنا ما أشكل علينا حله.
لقد مضى على تسنم شخوص منتخبين حكم العراق اثنا عشر عاما، وهانحن نلج في العام الثالث عشر.. والعراق يمر بأشد محنة مرت عليه خلال عقود، فقد احتل أرضه اوباش لا ينتمون الى دين او مذهب، ولا يحتكمون لعرف او تقاليد تعهدها الأمم، وقد راح في هذه الحقبة السوداء من تاريخ العراق ضحايا أبرياء، كانوا في دعة من العيش ارتضوها رغم شحتها في ظل بعض حقوق.. وبعض أمن.. وبعض خدمات.. ونزر يسير من البنى التحتية..
مضى من عمر العراقيين ياساستنا سنوات لم تقدموا فيها شيئا لهم غير القلق والخوف والفقر والجهل والموت والدمار، وتنقلتم بهم من ضيق ذات اليد الى ضيق أفق الأمل، بل رحتم بهم بعيدا حيث الضياع ضياع الارض، والهتك هتك العرض، وتماهلتم بحسابكم وعقابكم الفاسدين والمفسدين حدا فتح الطريق لهم بالولوغ أكثر وأكثر في النهب والسحت، وفيما أنتم مشغولون بمصالحكم، تفرق المواطنون بين مهجر ومهاجر، وبين عاطل عن العمل ونازح عن السكن، وتسامت أرواح ذَودا عن الأرض، وسالت دماء حفاظا على أعراض حرائر العراق، ولم يتحرك لكم ساكن إلا باتجاه مآربكم ومكاسبكم، فيما سبقكم في فعل الواجب القاصي والداني من حكومات ودول ومنظمات انسانية وشخصيات، وكذلك أساقفة وبابوات وبطريرك في دول العالم، في التحرك الجدي وتقديم حلول وإن كانت جزئية، إلا انها (النواية التي تسند الزير).