قال السيد نيجيرفان بارزاني، رئيس حكومة إقليم كوردستان، يوم 7 آب 2018، خلال مؤتمر صحفي عقده في أربيل، أن (المشاركة الموحدة للكورد في الحكومة العراقية المقبلة أمر في غاية الأهمية).
هذه العبارة تبدو أقرب إلى رسالة موجهة إلى الأحزاب الكوردستانية التي إستفحلت عندها المآخذ والتخوفات وما تفرع عنها من ملفات، وهي تراقب، عن بعد، تواصل ماراثون مشاورات الكتل السياسية العراقية المختلفة المتعلقة بتشكيل الكتلة الاكبر، وتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.
الخارطة السياسية الجديدة في العراق تنطوي على فرص ثمينة لإعادة ترتيب الأمور وكل مايتعلق بالحاضر والمستقبل، خاصة وأن للسياسة أصول ودروب وفنون، والنجاح فيها يستلزم الدراية والإعداد السليم والرؤية الدقيقة والممارسة الصحيحة، ومواجهة المحن والشدائد بحكمة كبيرة وإرادة صلبة ومرونة شديدة. العمل السياسي المتكامل، يستوجب حسن إختيار وتوظيف التوقيت الصحيح للتحرك في دائرة معرفية معنية بالتفريق بين الإستراتيجية والتكتيك، وبين الثوابت والمتغيرات لتجاوز المنعطفات، وأخذ العبرة من أخطاء وتجارب الماضي، وأهم ركيزة أساسية للسير على طريق النجاح، هو تقويم الحال وتصحيح المسار.
أحياناً يكون إحناء الرأس قليلاً أمام العاصفة الى أن تمر، ذكاءاً وحكمةً وليس كما يتصوره البعض جبناً، لأن السياسة فن الممكن قولاً وفعلاً، وأن أي محاولة للسباحة ضد هذه القاعدة ربما سيقود المحاول إلى العواقب السيئة والنتائج الفادحة. أما محاولة خوض غمار السياسة بلا دراية والإبحار في قلب الأمواج والتحديات، رغبة في الوصول إلى بر يتحقق فيه الثأر والإنتقام، فإنها تشكل الوثيقة الجاهزة للفشل.
الأخطار التي تهدد الكورد كثيرة، وقائمة التهديدات طويلة وأطماع الآخرين ورغباتهم في الهيمنة والتدخل في شؤوننا كبيرة، والعاقل يعلم أن الانقسام والفرقة وإختلاف الرؤى والمشارب أشد أنواع الأخطار، لأنه يضيع مكتسباتنا ويسبب هدراً للطاقات التي إستطاعت عبر عقود من النضال المسلح، وسنوات من الجدالات السياسية والدستورية، ووفق خطط متوافقة وإستراتيجيات قومية، الدفاع عن الكورد وكوردستان وتحقيق بعض المنجزات .
الحديث عن الإنقسام الكوردي طفا على السطح في الآونة الآخيرة بسبب الإستفتاء، وأحداث إكتوبر والإنسحابات غير المبررة من حكومة الإقليم، والدعاية الإنتخابية التي سبقت الإنتخابات النيابية العراقية، وإنحدار مستوى الأخلاق في التخاطب والممارسة، وتردي لغة بعض السياسيين ومراهناتهم ومهاتراتهم وبث أحقادهم وشكاواهم الكريهة وآرائهم المتطرفة في الإعلام ومجالسهم الخاصة. ولكن الجميع يعلم أن الإنقسام أو عدم الثقة بين الكوردستانيين، مطلب يتمناه الكثيرون (غير الكورد) وحتى الذين كانوا حلفاؤنا ووقّعنا معهم الاتفاقيات، ويعلمون أن الخروج عن الإجماع الكوردي تجاه الثوابت القومية والوطنية هو خطأ استراتيجي، بل إنتحار سياسي بطيء، ولا أحد يجرؤ على الإقدام عليه مهما كانت الظروف والمغريات، ولا أحد يرضى بالإنتحار والوقوع في الخطأ العمد. ولعل البعد الإنساني فيما قاله البارزاني بخصوص أهمية المشاركة الموحدة للكورد في الحكومة العراقية المقبلة تتجلى أكثر لو سألنا:
ماذا لو جاءت تركيبة النظام الجديد في بغداد متشابهة للنظام الحالي والسابق؟ وتم إسناد بعض المواقع المهمة للكورد، ولكن مع وقف التنفيذ، وظل تهميشنا مستمراً في كل مؤسسات الدولة، ونظروا الينا كضيوف ثقيلي الظل وغير مرحب بنا في بغداد ؟. وإعتبرونا عالة على ثروات الجنوب النفطية، في حين كان نفط كركوك الكوردستانية مصدراً لكل ثروة العراق طوال عقود، وما كنا نحصل عليه لم يكن إلا مدافع وطائرات ودبابات تقصف مدننا وقرانا، وماذا لو حاولوا وبشكل أوسع تكرار الحصار وتهميش دور حكومة الإقليم وإلغاء الفدرالية ؟ ونحن منقسمون..