أنتَ وأنا نشبه الحياة تماماً فهي واحدة بجميع تفاصيلها إلا أن البعض فتحت له أبواب الحياة بكل مساراتها والأخر مكسور يسعى منذ قرون لأن يكتب نقطة على سطرفتخذلة اناملة وتقيده عباراته . وكيف الحال إن كان منا من يكتب في قول رب العزة والجلال والبهاء والكرامة والجبروت ملك الملوك الذي ارتفع وعلا ملكا على جميع الملوك فأي عبارة وأي بيان يقال في حضرة الملك القيوم.
سلاسة الأسلوب وسهولة العبارة التي استخدمها السيد عبد الكريم الخفاجي في كتابة القيم ( قراءة معاصرة وتأملات في القرآن الكريم ) وبحوثه الأربعون التى احتواها الكتاب ورؤياة التفسيرية جعلت للمفاهيم القرآنية حضوراً في الوسط الاجتماعي. فطر حوته تميَّزت ببعدها عن التعقيد وتنميق المصطلحات، حتى عند استجلائه للحقائق القرآنية التي يخالف فيها الفهم المتطرف للمدرسة السلفية التي ألحقت الكوارث والويلات في البنيوية الإسلامية وفككت النسيج العقائدي والفكري لمفهوم السماحة والوسطية التي جاء بها هدي محمد صلى الله علية وعلى اله وأصحابه وسلم ، فهو يقدِّمها للقارئ سهلة الفهم، شديدة الوضوح. فيقول مثلاً في بحثه السادس والعشرون وهو بعنوان لايعلم تاويلة الا الله (التأويل ليس التدبر او التفسير بل الغوص في الأعماق الباطنة للنص ألقراني والرؤيا الباطنة للأمور وليست الظاهرة على السطح كقصة موسى والذي يرى الأمور بظواهرها والعبد الصالح الذي يؤول الإحداث بآذنة تعالى ).
ويرى ان مسألة التحدي بكل ما في القرآن من أسرار ومعارف وعلوم؛ هو خطاب نخبوي موجَّهٌ إلى طيف من الناس، والغالب هم عرب وعجم، وأقوام شتى فكيف فمَنْ لا يملك معرفة اللغة العربية كيف يمكن أن يوجَّه إليه التحدي في البلاغة والتفسير ؟ لذا كان فيض المعاني والتفسير بلغة سليمة سهلة وميسرة هو زبده ماجادت به قريحة الخفاجي في هذا الكتاب .
إنّ حالة الانكسار والتشظي الذي نشهده اليوم يعتبر انتكاسة خطيرة في الواقع الدينيّ تتمثل بسطوة البعض من حملة مذاهب التكفير والتطرف والازدراء لعموم المسلمين بأهواء الفتوى وفرضهم طرحوات وقيم تبتعد تماما عن روح الإسلام وهدي الرسالة المحمدية . مما يولّد حالة من التردّد والحذر لدى المتنوّرين في طرح أفكارهم ورؤاهم التي من الطبيعي أن تواجه بنعوت شتى من تخريج النص ألقراني بأهواء ومشارب شخصية او سياسية او حتى حزبية , وباللعن, والشتيمة, والإخراج عن شروط الدّين والملّة .
وأمام هذا الواقع لا بدّ من إعادة ترسيم الحدود بين دوائر البحث والتحقيق, وبين الانفعاليين والببغائيين من الجمهور, الذين يفترض بأرباب المنابر والدّعاة أن لا يتخذوهم دفاعات ومتاريس لحماية مواقعهم الدينيّة ومصالحهم الدنيويّة.
نحن اليوم بحاجة إلى الكثير من التواضع والاعتراف أنّنا في قفص الاتّهام أمام سكان المعمورة والذين رسم لهم الإرهاب الأعمى صور قاتمة من الذبح والقتل والتهجير والعنف والتطرف وأنّه علينا الإجابة على الكثير من التساؤلات, وردّ الكثير من التّهم التي لا تساق ضدّنا كإسلاميين وحسب, إنما توجّه ضدّ الإسلام كلّه شكلاً ومضمونا, كما أنّ علينا أن نتسلّح بالجرأة والشجاعة للخوض في قراءة نقديّة للموروث الثقافيّ والفكريّ الذي نختزنه, والذي لا شكّ أنّه بحاجة إلى إعادة النظر والتقويم.وهذه ما أعنيه بومضة الضوء التي سلطها عبد الكريم الخفاجي في كتابة.أملا ان يكون حجرا يلقى في بركة عقول البعض الراكدة وان مدارات دوائر النور التي ترسمها طروحات الكتاب لكفيلة بتحريك البصر والبصيرة باتجاهها والله من وراء القصد .