23 ديسمبر، 2024 5:42 ص

وما نيل الاصلاح بالتمني

وما نيل الاصلاح بالتمني

طالما طرقت كلمة الاصلاح مسامعنا، وهزت مشاعرنا وألهبت نفوسنا، ولكن الأمر المهم الذي ينبغي الاشارة اليه هو ان الاصلاح ممارسة للتغيير نحو الأفضل قبل ان يكون شعارا نتدثر به أو يافطة نتغنى بها لحالة نفسية تنتابنا أو لحاجة في نفس يعقوب قضاها، فهي حالة متأصلة في دواخلنا يتوخاها كل ذي فطرة سليمة لتصحيح الأخطاء التي تعترضه في حياته قبل استفحالها، وأنها ردة فعل ازاء الواقع الفاسد الذي نعيشه وغير قابلة للمزايدة والاعلان والمنافسة، واينما وجد الفساد فإن العقل والفطرة السليمة هي التي ترشد إلى معالجته ووضع الحلول الناجعة لردم تداعياته الماحقة، فالإصلاح يأتي بالمرتبة الثانية بعد الإفساد، فهي ارجاع الأمور الى نصابها لكي تتناغم مع الفطرة والعقل والحكمة والتطور، هدفها القضاء على بؤر التوتر وتراكمات الحالات السلبية ريثما نصل إلى الحالة المثلى في تقديم المصالح العليا للمجتمع على جميع المصالح الضيقة سواء كانت حزبية أو شخصية أو فئوية لا فرق في ذلك، إن عجلة الاصلاح باتت تطحن كل من يعترض المصلحة العامة مهما تشدق أصحاب الفساد بعبارات براقة خادعة وشعارات فضفاضة ومهما تستر بعباءات خرقة باتت معروفة فضائحها للقاصي والداني.
ومن أهم ما يلزم في إصلاح المجتمع، هو إصلاح الفرد، لأن المجتمع يتشكل من أفراد، والمجتمع يؤثر في الآخر سلباً وإيجاباً، وما دام الفرد في المجتمع الاسلامي بعيد عن القيم والمثل والأخلاق، وما لم تتظافر الجهود الحثيثة في اصلاح الفرد والأسرة والطالب والعامل والمدير وكافة شرائح المجتمع، وتخليصهم من شرنقة الأنانية وارشادهم إلى واحة المصلحة العامة، فالإصلاح في هكذا مجتمعات يبقى زوبعة في فنجان أو كالذي ينقش في الماء أو كالمستجير من الرمضاء بالنار، فالمصلح اذا ما اراد اصلاحا حقيقيا عليه ان يتجرد من انتماءاته الحزبية والفئوية والمصلحية، ويتحصن فقط وفقط بانتمائه الوطني ويشجعه على ذلك انتمائه الديني الذي هو الحصن الحصين في ممارسة مسؤوليات الرعية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المجردة عن الأهواء والمندكة في حفظ القيم والحقوق، ولا غرابة وقتئذ عند سماعنا للإمام الصادق (عليه السلام) وهو يحثنا على الاصلاح في قوله: (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان يومه الذي هو فيه خيراً من أمسه الذي ارتحل عنه فهو مغبوط).(مستدرك الوسائل: ج12 ص148 ب94 ح13748). الفارق بين المغبون والمغبوط هو نفسه الفارق بين الفاسد والمصلح، يكون هذا جليا عندما نسقط الحديث الشريف على مفردات حياتنا اليومية، فالفاسد هو العاجز الذي يتطاول على حقوق الغير، بينما المصلح هو المثابر للحصول على حقوقه وحقوق ابناء جلدته، وهو الذي يكابد في قطع دابر الفساد اينما حل وارتحل. 
هي دعوى صادقة لتبني مبدأ الاصلاح الذي يحاول جاهدا ان يقضي على شأفة الفساد اينما وجدت، فالمسلمون يمتلكون أعظم كتاب سماوي وهو القرآن من دون زيادة ولا نقصان مصوناً عن التلاعب والتحريف والبطلان، وفيه كل ما يوجب تقدم الحياة وتطورها، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ). (سورة الأنفال: 24) ومع ذلك كله لماذا نرى المسلمين قد تأخروا عن ركب التطور والتقدم والازدهار، بكلمة بسيطة انهم تركوا العمل بأحكام القران فتأخروا وصاروا كما قال سبحانه: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ). (سورة الحشر: 19).
انها خطوات وعرة تحتاج اولا الى تبني الفكرة كمبدأ، وكما قال الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني*** ولكن تؤخذ الدنيا غلابَا، التغيير والاصلاح لا يأتي بتغيير نظام ما او بتغيير حزب ما، التغيير والاصلاح يأتي من القاعدة كما أسلفنا، من الجذور المتأصلة فينا والتي ورثناها من السابقين، الاصلاح يأتي عندما احاسب نفسى اولا، الاصلاح يأتي لما اعلم طفلي ان لا يسرق، الاصلاح يأتي لما اعتمد على زراعة وصناعة بلادي ولا اعتمد على زراعة وصناعة غيري، الاصلاح يأتي عندما انظف بلدي من الأوساخ المادية والمعنوية وأغرس بدلا عنها فسائل الأوراد وكرائم الأخلاق، الاصلاح يأتي لما اكدح في العمل واتقنه ولا اسرق من ساعاته، الاصلاح يأتي عندما احترم رئيس البلاد ولا اعبده! الاصلاح يأتي عندما ينصلح امر التعليم في عالمنا الإسلامي وهنا المصيبة الكبرى، الاصلاح يأتي عندما احاسب المجرم الفاسد وأكافأ المهني المخلص، الاصلاح يأتي عندما اربي أطفالي على الدين والاسلام والاخلاق، الاصلاح يأتي عندما ازرع في الجيل القادم اخلاق الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين عليهم السلام، الاصلاح كلمة ليست بالسهلة، فانا اتحدث هنا عن نفسى فما بالك بأكثر من مليار مسلم واحوالهم، يجب ان نبذل جهدا لا ان نبقى نتحدث فقط وندور في حلقات مفرغة، الاصلاح يحتاج لوقت غير قصير لفصل الافكار السقيمة المتوارثة ابا عن جد واستئصالها نهائيا عن حياتنا الواعدة، حينها فقط نستطيع تحرير انفسنا وتحرير الاخرين من ربقة الأنانية والنفعية إلى ربوع الاصلاح النظرة وحياضها المترعة التي تتطلب منا المزيد من الجهد والمثابرة والتخطيط، وانها وبالرغم من المطبات والمتاعب والمصاعب التي تواجهنا في طريق الاصلاح، بيد ان جميع المشاكل تهون وتتحطم على صخرة مفرزات الاصلاح الطيبة وخيراتها الحسان.