23 ديسمبر، 2024 10:28 ص

وما زال من لا يرى من الغربال

وما زال من لا يرى من الغربال

ما الذي جمع دعاة الدين المزيفين، ومن المتطرفين والتكفيريين.. والتقدميين السطحيين.. وغيرهم ممن كثرت مسمياتهم وتباينت دعواتهم!؟ ما الذي جمعهم ليتفقوا على هجمة همجية شرسة على الإنسانية رغم تناقض أفكارهم ومعتقداتهم وتوجهاتهم عقائدياً أو سياسيا.. ما الذي جعل كل هؤلاء يتفقون على الكيفية المشينة ليحققوا بها الذلة للعراق والعراقيين؟!. لا العقل الذي يحكمه المنطق وتتولاه الحكمة والحقيقة البينة فيتبعه، ولا العاطفة عندما تجيش فتجعل صاحبها يخضع لسلطانها، ولا حتى حالة من الوسطية في توافق العقل مع العاطفة ليجد المرء نفسه أمام قضية تستحق الاعتدال ليتحقق ولو جزء من الهدف أيا كان ليكون الكل راض. هل يمكن لمن ظن أنه الأحق أن يسلم لمبدأ من سلب الحق؟!، هل يمكن لمن إدعى سبيل السلم منهجا أن يخضع وينقاد لمن انتهج سبيل القتل والتشريد بلا حدود ودون وجه حق؟!، هل يمكن لفكر مستنير منفتح أن ينقاد لفكر ظلامي هدام؟!، هل يمكن لمن أدعى أن لا علاقة للدين ولا مكان له في السياسة، وظن في كل حال أن اتباع أحكام الشريعة الربانية تخلف ورجعية؟!، هل يمكن لمثل هذا أن يبدل فلسفته بين ليلة وضحاها ليكون راضٍ تماماً لطروحات من تلبس بلباس الدين وهو يعلم، فيشاركه قتل الابرياء ويوافقه بتكفير العباد بلا سند شرعي سماوي، ولا قانون بشري لمجرد أنه الركوب الأسهل له لتحقيق المآرب المريبة؟!. قد تجتمع النقائض والرؤى، ولكن أن تتفق وهي أساساً مختلفة متخالفة، فيسلم أصحابها لمنهج واحد هو منهج الاستباحة والقتل بلا رحمة. هنا صار حتما ولا بد تأكيد شر النوايا. صار أمراً حتمياً رؤية ما يظهره كل أولئك من معتقدات ودعوات للباطل، فمرحلة التشكيك بالنوايا قد سبقت ومضت لمن غاب أو غيب، والانحدار إليها صار فعلاً غبيا. اليوم كل أبناء هذا البلد لأولئك هدفاً. وما عاد الأمر خافيا.

إن المؤامرات التي حيكت وتحاك ضد بلدنا وغيره كلما حوى الأصلاء كانت وما زالت مستمرة، ولطالما كانت أصوات المستنيرين الشرفاء تصدح أن أيها الناس احذروا. ومن الذين شككوا هم أنفسهم من تآمروا. كل أولئك الذين مدوا الايادي لأعدائنا متعمدين أم سذجا، قدموا بلدهم قرابين لأولئك الذين احتقروهم طوال دهرهم عسى أن يقبلوهم يوما في حضيرتهم فينعموا عليهم بالرضا وهو محال، أولئك الذين أبهرتهم أنظمة الغرب ببريقها الذي لا تنفك تملأ به حياة الناس من الشرق إلى الغرب عبر أدواتها ووسائل إعلامها الملغمة شرا، لتجعل من المواطن المسلم والعربي أكثر من غيره مبهورا بتلك الطروحات الكاذبة المزيفة والمضللة عن الحرية والديمقراطية، ومفاهيم

غريبة لا علاقة لها بما يدعون، تمزجها بالمغريات ليسيل لها لعاب ضعاف النفوس، والواهمين، في غياب البديل والدليل، فيلعنوا أنفسهم ويحتقروا أصلهم وانتماءهم، ويزحفوا نحوها صاغرين أذلاء. وأولئك الذين ركبهم التعصب الأعمى والأنانية، ممن لا يرون في الحياة سواهم، ويعدون من عليها دونهم.. وأولئك الذين سيطرت عليهم التبعية لمن دأب على إذلالهم، إذ اعتادوا عليها فتلبستهم، وعلى السوط الانيق المسلط على ظهورهم، ليعيشوا نشوة الخضوع من جديد،.. وتلك الأقزام التي تتطاول لتقايس ما عندها بالعراق وما في العراق، ظالمة لنفسها إذ لا مجال، وكلما حاولت، أضناها الإحساس بالضآلة، وقتلها الحنق أمام تعاظم هيبة العراق وعلو شأنه. ناهيك عن تلك الطبول الرخيصة المقيتة التي تشمئز منها الأنفس، وتنزعج من طنينها الآذان. أما المرتزقة من المتكسبين في كل الظروف، فيهرعون نحو كل عظمة دسمة ترمى لهم من أي مكان وأية مزبلة. أولئك قد أمتطى بعظهم بعضا وأصبحت المؤامرة بينة، كشف الغطاء عن الوجوه الحاقدة المتسترة وراء إدعاء حب العراق والدفاع عن حقوق أبنائه، صاروا يتباهون بالخيانة والغدر وكأنها بطولات. لقد كانت المؤامرة، تلك التي عمل أعداء الله، أعداء العروبة والإسلام، أعداء الإنسانية على تحقيقها منذ عقود طويلة، وكان لهم أعوانهم وعملاؤهم، ليقدموا بلادهم لقمة سائغة يتلقفها بنو صهيون في كيانهم الآمن وحلفاؤهم، ويطمئن عملاء الغدر، من التصقوا بعروشهم وقد صنعوا الدمى التي تضلل عليهم وتحميهم من غضب المسلوبين، ونقمة المظلومين. جاء حصاد المؤامرة التي طالما نكرها من نكرها، وتغاضى عنها من تغاضى حتى أثمرت برؤوس شياطين، ومن حاكها، ومن لبسها، ومن سعوا بها ليبيعوا العراق رخيصا سائغاً دون أية حرمة لنفس بريئة ولا لمقدسات، ساخرين من لعنات الناس والتاريخ، ظانين سفاهة أن لا يوم عليهم، ومتناسين أن العراق لطالما مر بأوقات ومحن عصيبة، فكان في كل مرة ينهض أقوى مما كان، وأنه كلما دُس له، تجرع، وعاد محصناً منيعا. ولطالما كان هدف الطامعين.. وكان هناك من يلعب ويراهن على سقوطه وإخضاعه، وفي كل مرة كانت اللعبة خاسرة. لذا، لا نتوقع أن تنتهي المؤامرات على العراق لأنه العراق، كما لا نتوقع أن يقف أبناؤه الشرفاء مكتوفي الأيدي أمام أية هجمة أو انتكاسة مهما بلغ الأمر من مبلغ والحروب سجال. إلا أن من المصائب ما يعظم، فرغم كل ما أسفر من تآمر وغدر، ما زال من لا يرى من الغربال، ما زال من لا يرى كل تلك الحقائق والوقائع، كل ذلك القبح، ويعمد إلى التسويف والتبرير، ما زال من يحسن النوايا وقد استبيحت حرماته، ما زال والمتآمرون عن فعلهم يعلنون، والغادرون بفعلهم يتفاخرون. حقا، ( قد أضاءَ الصُبحُ لِذي عينين) .