لا أظن أن القانون الذي شرّعه مجلس النواب للتوّ، سيُبهج العراقيين على النحو الذي كان يتعيّن أن يكون عليه، أقلّها لأنهم غارقون في همومهم وفي الرزايا العظيمة المتوالية عليهم الآن كما في الماضي.
المجلس مرّر بأغلبية الأصوات في جلسته أول من أمس “قانون حجز ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة العائدة الى أركان النظام السابق”، وهو يشمل المئات من كبار المسؤولين وأفراد عائلاتهم حتى الدرجة الثانية.
سوء ظني راجع إلى أن القانون لم يتضمن مادة تُرغم الذين استحوذوا على الأملاك والأموال المطلوب مصادرتها على تعويض الدولة والشعب العراقي عن سوء وعدم قانونية التصرف بهذه الاملاك والاموال من قبل أركان النظام الحالي وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم وأحزابهم وميليشياتهم.
النظام السابق أُسقط قبل 14 سنة، وأملاك وأموال كبار مسؤوليه استحوذ على معظمها كبار المسؤولين في النظام الحالي، والبعض منهم أعضاء في مجلس النواب صوّتوا لصالح القانون أول من أمس. ولفترة طويلة لم يدفع هؤلاء أي بدل إيجار عمّا استحوذوا عليه، بما في ذلك أملاك تعود ملكيتها للدولة ودوائرها، والذين دفعوا الايجار فإنّما ببدل زهيد للغاية، فيما تدبّر آخرون أمر شراء بعض الأملاك بما يوازي سعر التراب. الأمر لم يقتصر على عقارات تابعة للدولة وأملاك لمسؤولي النظام السابق، بل شمل أيضاً مواطنين عاديين، وبخاصة المسيحيين.
في المنطقة الخضراء والجادرية والمنصور والدورة وزيونة ومناطق عديدة أخرى في العاصمة بغداد، فضلاً عن سائر المحافظات، استغل الكثير من أركان النظام الحالي وأحزابه المتنفذة وأفراد عائلاتهم وزبانيتهم نفوذهم ليستولوا على عقارات للدولة ولأركان النظام السابق وأملاك شخصية لمواطنين عاديين. هذا أمر يعرفه العراقيون جميعاً، مثلما يعرفه أعضاء مجلس النواب الذين حضروا جلسة التصويت أمس الأول أو غابوا عنها، ناهيكم عن عمليات الفساد الإداري والمالي المتصلة بالصفقات والعقود وغسل الأموال.
القانون المشرّع للتوّ يقرّر فقط أنه “تُعدّ كافة التصرفات العقارية على العقارات التي تمت مصادرتها (أو حجزها) غبناً فاحشاً غير نافذة وتعاد الحال الى ما قبل تلك التصرفات”، من دون أية اشارة الى وجوب التعويض عن هذا الغبن الفاحش وسوء التصرف، فالمستحوذون على هذه الأملاك كوّنوا ثروات من هذه العقارات على مدى 14 سنة.
في الاسباب الموجبة لتشريع القانون الجديد جاء: “بعد حقبة مريرة من الظلم والاستبداد والانتهاكات التي طالت ابناء الشعب العراقي ومصادرة حقوقه وحرياته والتجاوز على ممتلكاته وسلب ثرواته وخيراته، وفي مسار التحول الديمقراطي الذي تشهده البلاد، ومن أجل تحقيق العدالة الانتقالية بتشريعاتها وقوانينها الصحيحة وتحديد الاشخاص المشمولين بتلك القوانين، ولإزالة الغموض الذي يشوب بعض فقرات ومواد تلك التشريعات ووضع الألية المناسبة التي تتلاءم واجراءات الحجز والمصادرة شرع هذا القانون”… هذا الكلام ينطبق في كثير منه على النظام الحالي الذي تجاوز معظم أركانه، وربما كلهم، وأفراد عائلاتهم وحاشياتهم على المال العام وحقوق الدولة ومواطنيها.
ليوقف هؤلاء تجاوزاتهم وتعدياتهم قبلاً، وليدفعوا ما ترتّب عليهم للخزينة العامة، حتى يبتهج العراقيون بالقانون الجديد. والخشية الآن أيضاً من أن تمتدّ أيدي أركان النظام الحالي هذه المرة أيضاً إلى الأملاك والأموال التي ستُصادر بموجب القانون المشرّع للتوّ.
مَنْ يضمن عدم حصول هذا؟
نقلا عن المدى