18 ديسمبر، 2024 11:21 م

ولكم في الموت عبرة يا اولي الالباب

ولكم في الموت عبرة يا اولي الالباب

كم منا ينسى نفسه في خضم الحياة ..لهوا ولعبا وطمعا وظلما ولا يقف عند عمل ما او قرار يتخذه  ليسأل نفسه عما جناه بحق نفسه وبحق الاخرين …فقد يكون المرأ ذا جاه وسطوة وسلطة فشره ان كان شريرا يعم الجميع وان كان انسانا طيبا فخيره أيضا يعم الجميع وفي كلا الحالتين فأفعاله تعم على مجموعة كبيرة من الناس ..اما ذلك الانسان البسيط والفقير المسكين ..فخيره وشروره لا تتعدى نفسه وعائلته ..

الحياة فرضت علينا فرضا ولسنا نحن من اختارها ..ولكل حياة لابد من نهاية حتمية وهي الموت …سواء قصر العمر او طال .. والانسان العاقل هو من يدرك هذه الحقيقة ويستفيد منها ويعمل بهداها ..

اليوم فوجأ العراقيون بخبر وفاة المرحوم الدكتور احمد الجلبي وحظي خبر وفاته باهتمام رسمي وشعبي كبيرين بل واكثر من الطبيعي او المعتاد وهذا يدل على دور بارز في تاريخ العراق الحديث وماسيه ونكباته طيلة عقدين من الزمن ..

وبالرغم من ان الموت حق كما ذكرت ولاسيما وان عمر الرجل قد تجاوز السبعين ..وكانت ردود الفعل على الخبر ..نوعان ..النوع الأول وهو مقتصر على رجال السياسة من قادة العملية السياسية وفرسانها ممن شاركوا المرحوم في مسيرته التي تميزت  بتحريض الامريكان على احتلال العراق وأسقاط نظام البعث وصدام حسين وتدميره…وهذه الشلة من الساسة هم المنتفعين من هذا فمنهم من صار رئيسا او وزيرا او مليارديرا.. بعد ان كانوا جياع مشردين في كل بقاع الأرض يستجدون الدولار على ابواب السفارات والمخابرات الأجنبية ..وبين ليلة وضحاها اصبحوا هم من يتحكمون برقاب الشعب العراقي …ويلعبون بالملايين والمليارات ..

ولهذا نرى رد فعل هذه الشلة كيل المديح والنعي للمرحوم الى درجة انهم صوروه وكان العراق وشعبه قد فقدا العز والسؤدد والمجد بفقدان المرحوم الجلبي وكانه  باني مجد العراق وبطل تحريره واستقلاله ( وانا لا الومهم على ذلك فهذا جزء بسيط من وفاءهم ورد الدين للرجل والاعتراف بجميله عليهم فهو ولي نعمتهم والسبب في الثروة والجاه الذي يتمتعون به )

اما الفئة العظمى من عامة الشعب من المثقفين والكادحين والجياع والفقراء المساكين …فقد استغلوا واستعانوا بمواقع التواصل والحوار الاجتماعي كتوتر والفيس بوك وبقية المواقع للسباب والشتيمة ولعن المرحوم والتشفي بوفاته والدعاء بالموت الزؤام لزملاءه واصحابه المشاركين له العملية السياسية المحاصصاتية الطائفية وبمساعدة الامريكان لاحتلال العراق وقتل شعبه ..

اما اذا اردتم معرفة راي الشخصي وردة فعلي فلست شامت او فرحان بموته وكذلك لست حزينا باكيا على فراقه فالرجل بسيئاته و حسناته قد انتقل الى محكمة العدل الإلهية ..وعليه لننظر بانصاف وموضوعية وتجرد بما قدمه للشعب العراقي والى السيرة  الذاتية لحياة الرجل وباختصار سريع لنتعلم منها دروس وعبر ..

الرجل ولد وفي فمه ملعقة من ذهب وفي عائلة معروفة بالثراء  …ومع هذا يتهمه الأردن بانه سرق أموال بنك انترا الأردني .. وان صح الخبر ( ولا ادري مدى صحته ؟؟)..فلماذا يسرق الغني ؟؟

الرجل دكتوراه بالرياضيات ومن ارقى الجامعات البريطانية …فلماذا لم يستفد من مؤهله العلمي لإنقاذ العراق من محنته الاقتصادية ؟؟

الكثير من العراقيين يلقبون المرحوم بابي رغال الذي شجع ملك الحبشة ابرهة لغزو مكة ..تحريضه الولايات المتحدة لغزو العراق واحتلاله …والسؤال المحير لي شخصيا على الأقل …ما هي الدوافع التي تدفع بالإنسان ليخون بلده الذي لم يؤذه علما انه ترك العراق منذ ان كان عمره 14 سنة ؟؟؟

المرحوم هو من سعى لتاسيس البيت الشيعي …وبذلك أسس لكيان طائفي مقيت وربما تسبب في زيادة الشحن الطائفي واجج الفتنة …لقد استفاد منه الكثيرون من مرتزقة السياسة وخرج هو شخصيا من المولد بلا حمص كما يقول المثل …وحتى يقال أويشاع ان الرئيس جلال الطالباني …وصف حال المرحوم الجلبي ودوره في احتلال العراق بالمثل الشعبي المعروف ( يامن تعب يامن شكى ..يامن على الحاضر لكه ) ..

انا لم افهم لماذا المرحوم كان حاقدا على البعث والبعثيين …علما انه لم يعش في العراق ولم يتعرض بشكل مباشر او غير مباشر للقمع والاضطهاد الذي قد يكون تعرض له الكثيرين من العراقيين …والى درجة دفعته الى تبني فكرة اجتثاث البعث التي احرقت الأخضر واليابس والغث والسمين …وقد تسبب في قطع ارزاق المئات من العوائل ..

في الآونة الأخيرة وبعد ان حل الخراب في العراق وانتشر الفساد وسبى العباد فيبدو لي شخصيا ان المرحوم الجلبي قد احس بالورطة والمصيبة التي أوقع بها العراق وشعبه ..واحس بالخطأ الذي ارتكبه وبعد فوات الأوان ولاسيما عندما فقد نفوذه في القوى الفاعلة على الساحة العراقية .. ولم يلقى التأييد الشعبي الذي كان يحلم به … وبقي يراوح بمكانه وحجمه غير الفاعل سوى عضويته بمجلس النواب ورئاسته للجنة المالية .. وبما ان المال يعتبر البؤرة الحصينة للفساد ..وموقعه خوله الاطلاع على مكامن الفساد وعمالقته …ويلاحظ انه ظل ساكتا لسنين وفجأة انبرى لمحاربته بالاعلام …والفضائيات ..

وانا اعتقد هذه الصحوة المفاجئة تفجرت بسبب التقدم بالعمر ..وافول الطمح الشخصي وضياع رئاسة الوزراء التي كان يحلم بها ( ربما )..واعتقد ان ضمير المرحوم الجلبي قد صحى فانتفض على الفساد والفاسدين وبدا انه يخوض معركة خاسرة مع اعتى واقوى المجرمين …فتصدى لهم بالأعلام …وهنا وكما اعتقد قد تجاوز الخطوط الحمراء …وربما (شكوك ولا دليل عليها) وافته المنية بفعل فاعل وليس بأجله الموعود والمحتوم بالسكتة القلبية كما اعلن بالأعلام …ونحن العراقيون نعلم علم اليقين وكما يقال ( ياما تحت السواهي دواعي ) …وهذه وجهة نظر شخصية ولاسيما بعد ان استمعت الى حوار اجراه المرحوم الجلبي مع سعدون محسن ضمد على شاشة قناة الحرة الامريكية وهو يفضح الكثير من ملفات الفساد بمئات مليارات الدولارات في البنك المركزي وغسيل الأموال ومبيعات مزاد العملة .. فهيج الافاعي والثعابين واخرجهم من جحورهم فانتقموا منه …واعتقد ان المرحوم وقالها بصراحة ان المسؤولين يخافون التصدي للفاسدين لانهم يخافون …ولهذا اعتقد ان المرحوم ..حفر قبره بيده ووقع فيما يخافه البقية …وهكذا جنت على نفسها براقش ..كما يقول المثل العراقي ..

وان صح حدسي وتوقعي ..ان موت المرحوم الجلبي  (ربما ) كان بفعل فاعل وسيدفن السر مع دفنه وكالعادة المعمول بها بالعراق ..وهذا يعني ان المرحوم مات ميتة  الشجعان ..وكما قال المتنبي

«و إذا لم يكن من الموت بد *** فمن العار أن تموت جبانا»

والموت حق علينا جميعا فلا مفر منه كقوله تعالى .. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (الرحمن).

وليكن موته عبرة للأحياء من الساسة وعليهم التصدي لأعداء الشعب حتى لو ضحوا بحياتهم..  فكفى بالموت واعظاً، وزاجراً عن التمادي في الباطل والفساد واكل المال الحرام ونهب قوت الشعب وليتذكر تجار السياسة في الأحزاب الدينية ان لا مفر لهم من الموت عاجلا ام اجلا واعلموا أنّ ملك الموت قد تخطّاكم اليوم إلى غيركم كالمرحوم الدكتور احمد الجلبي ولكنه لن يترككم وسيزوركم حتما ..فخذوا حذركم ..

رحم الله سفيان الثوري عندما نصحنا ..

يا نفسُ توبي فإِن الموتَ قد حانا . . . . واعصِ الهوى فالهوى مازال فَتَّانا

في كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعهُ          . . . .         ننسى بمصرعهِ آثارَ مَوْتانا

البعض تغره الدنيا وينسى الاخرة ..الم ينبهنا امام الاولين والاخرين الامام علي ابن ابي طالب (ع ) بقوله

 لا دارَ للمرءِ بعدَ الموت يسكنُها . . . . إِلا التي كانَ قبلَ الموتِ يبنيها

فإِن بناها بخيرٍ طابَ مسكنها     . . . . وإِن بناها بشرٍ خابَ بانيها

فالمرءُ يبسُطها والدهرُ يقبضُها  . . . . والنفسُ تنشرُها والموتُ يَطْويها

وأقول لضعاف النفوس ممن اعمى الجشع وحب المال عيونهم … اتقوا الله في أبناء شعبكم وانفسكم في اخرتكم فالموت قريب منكم واقرب من حبل الوريد اليكم…فهل نفعت الأموال قارون …واين حل الدهر بكنوز نمرود ؟؟…الم تستولي عليها قوات الاحتلال الأمريكي بعد الاف السنين ؟؟ وهكذا نشقى وننهب ونكدس الأموال لنترك الدنيا عريانا ما قال الشاعر

في كلّ يومٍ لنا ميّت نشيّعه        نرى بمصرعه اثار موتانا                              

يا نفس مالي ولاموال اتركها        خلفي وأُخرج من دنياي عريانا                         

اجل الحياة ستستمر والسعيد هو من يفهم الحياة ويدرك ان السعادة هي في حب الوطن والقناعة وحب الاخرين ومساعدة الفقراء والمساكين …وفي الموت عبرة وحياة للمتقين من اولي الالباب…

حفظ الله العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا …