23 ديسمبر، 2024 10:11 ص

ولا يزال التحقيق مستمرا

ولا يزال التحقيق مستمرا

في خطاب للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة طيب الله ثراه يتحدث عن هزيمة الجيوش العربية في حرب 6 جوان 1967 و يشير بتدقيق على غاية من الأهمية بكون تلك الهزيمة لم تكن بسبب سوء أداء الجيوش بل بسبب سوء تخطيط القادة و على كل حال فقد كانت هناك هوة سحيقة لم ينتبه إليها هؤلاء القادة العسكريون و السياسيون على حد سواء و هي تتمثل ببساطة شديدة في الفارق العلمي و في الفارق في المعلومات و القدرة على التعامل مع الواقع بين قادة الجيوش العربية و القيادة الصهيونية مفسرا و مبينا أن الشعب اليهودي يتفوق علميا و تقنيا على بقية الشعوب العربية بسبب مرور اليهود عبر حضارات أوروبية متقدمة على كل المستويات مما مكنهم من اكتساب تجارب و خبرات كثيفة ساعدتهم في كيفية بناء الدولة الصهيونية و التفوق على القدرات العربية مجتمعة بما في ذلك اكتساب القدرة النووية بكيفية تدعو إلى الاستغراب و التعجب ، من يبحث في أرشيف الدول الأوروبية بالذات يجد كثيرا من الصفحات التي تؤكد مواجهة اليهود لكثير من المعاناة عبر تاريخ تواجدهم بتلك الدول لكنه سيجد أيضا أنهم كانوا متفوقين في كل المجالات التي أتيحت إليهم بحيث اكتسبوا الخبرات و الأموال و المعرفة ليصبحوا من أكثر الشعوب التي لها لوبيات فاعلة و مؤثرة في سياسة الدول الغربية و على رأسها طبعا الولايات المتحدة الأمريكية .

يشير الدكتور أورى ميلشطاين أحد كبار المؤرخين الصهاينة إلى “المؤامرة” التي حاكها بن غوريون مع العاهل الأردني الملك عبد الله بعد أن أسندت إليه القيادة العليا لقوات الدول العربية التي دخلت إلى فلسطين سنة 1948 ويورد ميلشطاين استنادا إلى ما كتبه يسرائيل بار، المقرب من بن غوريون ونائب يغئال يدين في كتابه “أمن إسرائيل- أمس، اليوم وغدا”، والذي ألفه في السجن بعد إدانته بتهمة التجسس، أن بن غوريون وعبد الله عقدا صفقة-في شكل “مؤامرة”- تمتنع بموجبها القوات الأردنية التي كانت تحت قيادة بريطانية عن مهاجمة “إسرائيل” وبالمقابل تسمح إسرائيل بسيطرة الأردن على الضفة الغربية التي كان من المقرر أن تكون جزءا من أراضي الدولة الفلسطينية ، هذه الحقائق المثيرة مهمة لفهم ما حدث و كيف حدث بل لنفهم الفرق بين العقلية الصهيونية الماكرة و العقلية العربية السخيفة و المتآمرة على نفسها و لعل ما جاء على لسان الملك حسين نفسه من اشتراكه في مؤامرة كشف أسرار حرب 1967 بساعات إلى رئيسة الحكومة الصهيونية قولدا مايير تأكيد على مستوى الخيانة التي ارتكبتها القيادات العربية في حق القضية الفلسطينية .

هناك رابط بين فيلم ” و لا يزال التحقيق مستمرا ” عن رواية الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس ” شيء في صدري ” و بين خيانة الملك عبد الله وابنه الملك حسين ، يروى الفيلم قصة البراءة و الخيانة ، قصة بيع الضمير و التمسك بالمبادئ ، في كل الحالات لا يزال التحقيق مستمرا في ارتدادات و إرهاصات خيانة الملكين الهاشميين و ربما ما يعانيه الشعب الفلسطيني من اغتيال لكل مكاسبه و حقوقه و مستقبله هو نتاج لخيانة الملكين بل خيانة كثير من قيادات الخليج التي وقفت مواقف مخجلة في أهم فترات هذا النزاع التاريخي الذي يعتبره العالم الحر مظلمة القرن العشرين ، في كتب التاريخ اطلعنا على خيانة العائلة السعودية للقضية الفلسطينية و في سجلات السفارات الأجنبية و برقياتها اكتشفنا كيف استطاعت المخابرات الصهيونية الأمريكية وضع آلات تجسس و استماع في قاعة اجتماعات القمة العربية بالرباط و في قصص القضية الفلسطينية اكتشفنا أسرارا تتعلق بوضع عميل فلسطيني للبعض آلات التجسس الصهيونية في غرفة أبو عمار في مقره بتونس بعد خروج المقاومة من بيروت ، في سجل المخابرات التونسية كلام و فضائح يندى لها الجبين حول تواطىء بعض القيادات الأمنية في كل عمليات الاغتيال التي طالت القيادات الفلسطينية في تونس و حتى اغتيال الشهيد محمد الزوارى منذ اشهر لا تزال المعلومات تؤكد ضلوع قيادات من حزب حاكم في هذه المؤامرة.

ما هو دور المخابرات العربية في عمليات اغتيال الشهداء محمود المبحوح في الإمارات و يحي المشد و المهدي بن بركة في باريس و عماد مغنية و سمير القنطار في سوريا و الشيخ احمد ياسين و عبد العزيز الرنتيسى و يحي الشقاقى في فلسطين و حسن سلامة و كما عدوان و كمال ناصر و أبو يوسف النجار في لبنان و القائمة تطول ، ما هو دور جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني خاصة في فترة قيادة محمد دحلان في قبض الموساد على الناشطين الفلسطينيين و ما حقيقة الدور الذي يلعبه جبريل الرجوب و توفيق الطيراوى في نفس هذا المجال بحجة تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني التي فرضها الجنرال الأمريكي كيث دايتون على محمود عباس و هي اتفاقية يعلم الجميع أنها تنفذ لصالح إسرائيل نكاية في حماس، ربما لا مجال لان نثق في أرشيف السفارات و الدول الأجنبية بصفة عفوية مطلقة لكن ما يرشح من هذا الأرشيف يؤكد حصول خيانات قذرة كثيرة .
إن حكاية الأسلحة الفاسدة التي ارتدت على صدور الجنود المصريين في حربهم ضد اليهود في عهد الملك فاروق و ما دار من تحقيق حول دور المشير عبد الحكيم عامر في هزيمة حرب جوان 1967 هما حادثتين و مؤشرين هامين تؤكدان أن هزائم العرب قد كانت بفعل فاعل و أن الجنود العرب قد تمت خيانتهم من طرف قيادتهم الفاشلة و المشبوهة بل أن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في حرب أكتوبر 1973 قد أشار إلى أن العبور المصري لم يكن انتصارا مكتملا بعد أن باع الرئيس السادات هذا النصر المبتور بانسحابه المفاجئ من سيناء ليوفر فرصة ثمينة لاريال شارون لفتح ثغرة الدفرسوار الشهيرة و إعادة توزيع الأوراق العسكرية من جديد ، لقد قيل الكثير حول الدور السعودي لمساندة القضية الفلسطينية و لكن ” الأرشيف” و التسريبات و ما جاء في وثائق ويكيليكس يعارض تماما هذه الفكرة الموروثة في الأذهان و يؤكد أن الخيانة السعودية للقضية قد حصلت و أن ما خفي كان أعظم لذلك لا يزال التحقيق مستمرا .