من عام 2003 المشؤوم للآن ورغم المأسي والنكبات والمصائب ابتدأ من القتل الجماعي والتهجير لحالات الفتك الفريدة بنوعها وطريقة ممارستها كالحفر بالأدرين وسمل العيون وانتهاك حرمة الجسد , لم أرى مسؤولا عراقيا ظهر على فضائية وواجهه مقدم البرنامج أو المقابلة بحجم الخراب الذي لحق بالبلد منه ومن حزبه ومؤسسته وذرف دمعة أو رفَّ له جفن !.بل على العكس يحمل كلما جرى لأعداء التغيير .
والإشكالية هنا هي الخلفية والمسميات والمظهرية الدينية لكل الأحزاب النافذة , في الدين الإسلامي بل في عقيدة كل الأديان حتى الوضعية مبدئية تقول :
– المؤمنون الحقيقيون هم أصحاب الدمعة السخية والقلوب الرقيقة والشعور المرهفة .
بل أن رقة القلب ورهافة الشعور هي سبب تلك الدموع لكن الذي نراه هي القسوة بل الوحشية حتى صار الحديث عن الدين حديث عن الخراب , لأنهم ضيعوا الدين الحقيقي وجاؤوا بممارسات لا تمت للإسلام بصلة واعتبروها هي الدين . لعل قباحة الصغار هي نتاج قباحة الكبار , فهذا المدعي المتفلسف ( الجعفري ) يقول :
– نحن دولة ملائكة ونحن ملائكيون .
ويخرج أمين عام دعوتهم الباطلة فيقول :
– نحن نُهيء لخروج المهدي المنتظر .
الله يلعنكم إذا كان هذا فعلكم وأنتم تنتظرون الإمام المنتظر , ترى ماذا يقول الذين لا يؤمنون بالإمام المنتظر !؟ .
هل تستقبلوه بسرقاتكم ونهبكم وسوء أعمالكم , وأنتم الذين جعلتم العراق بهذه المأساوية .
البارحة رأيت فديو مؤثر جدا للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد وهو واهن الجسد معروق الوجه والفنان القدير جواد الشكرجي يقرأ قصيدته (لا تطرق الباب ) في أمسية في عمان , ودموعه تسيل كلما ذكر العراق أو شيئا عن العراق .
يبكي بكاء أم ثكلى فجعت بوليدها . ولأن الشاعر أمتزج روحيا بحب العراق صار العراق همه الأول لقد كتب قصيدته بدموع ودم إنها لوحة بنارومية . تصور بيت العائلة بالوطن , ولأن الوكن هاجره أهله فلا مجيب لمن يطرق . القد التقت عبقرية الشاعر وإنشاد راويه بملحمة إنسانية تصور لك مديات الحب للوطن ومديات التحسر على كل شيء فقد منه .
ولأن القصيدة وحدة متماسكة وأي تعليق عليها قد يخل ببنائها التراجيدي لا يسعني إلا أن أنقلها لكم كي تتشرب نفوسكم مع الشاعر ومع الشكرجي , وقبلها سؤالي للذين لم يهزهم فقدان العراق أسالهم : ترى من أي طين خُلق الناس ومن أي طين خُلقتم يا عديمي الضمائر !؟.
القصيدة , ابكوا كما تبكي التماسيح علَّ المغفلين من بطانتكم يصدقونكم ويوازون ما تفعلوه بمثل ما تقولوه .!؟.
لا تـَطرُق ِالباب .. تَدري أنـَّهم رَحَلوا *** خذ المَفاتيحَ وافتَحْ أيُّها الَّرجُلُ
أدري سَتـَذهَب ُ.. تَستـَقصي نَوافِذ َهُم*** كما دأبت ْ.. وتسعى حَيثما دَخَلُوا
تـُراقِبُ الزّاد .. هل نامُوا وَما أكـَلوا *** وتطفيءُ النّور .. لو ..لو مرَّةً فَعَلوا
وفيكَ ألفُ ابتِهـال ٍ لو نـَسُـوه ُ لكي *** بِهم عيونُك قَبلَ النوم تَِكتَحِلُ
لا تـَطرُق ِالباب .. كانوا حينَ تَطرُقـُها ***لا يَنزلونَ إليها .. كنتَ تَنفَعِلُ
وَيـَضحَكون .. وقد تقسُـو فـَتـَشتمُهُم *** وأنتَ في السِّر مَشبوبُ الهَوى جَذِلُ
حتى إذا فـَتَحوها ، والتـَقـَيْتَ بِهـِم *** كادَت دموعُكَ فَرط الحُبِّ تَنهَمِلُ !
لا تـَطرُقِ ِالباب .. مِن يَومَين تَطرُقـُها *** لكنـَّهم يا غـَزيرَ الشـَّيبِ ما نـَزَلوا !
تـُبصِرُ الغـُرَفَ البَـكمـاءَ مُطفـَأة ً *** أضواؤهـا .. وبَـقاياهـُم بها هـَمَـلُ
قـُمصانـُهُم .. كتبٌ في الرَّفِّ .. أشْرِطـَة ٌ*** على الأسـِرَّة ِ عـافـُوها وَما سَـألوا
كانَتْ أعـَزَّ عليهـِم من نـَواظـِرهـِم *** وَهـا علـَيها سروبُ النـَّمْل ِ تـَنتَـقِلُ !
وَسَوفَ تَلقى لـُقىً .. كَم شاكـَسوكَ لِكَي *** تـَبقى لهم .. ثمَّ عافـُوهـُنَّ وارتـَحَلوا !
خـُذ ْها .. لمـاذا إذ َنْ تـَبكي وَتـَلثمـُها؟ *** كانـَت أعَـزَّ مُنـاهـُم هـذه ِالقـُبَـلُ
يا أدمـُعَ العَين .. مَن منكـُم يُشـاطِرُني *** هـذا المَسـاء ، وَبـَدْرُ الحُزن ِيَكتـَمِلُ ؟!
هـا بَيتيَ الواسـِعُ الفـَضفاضُ يَنظرُ لي *** وَكلُّ بـابٍ بـِه ِ مِزلاجـُهـا عـَجـِلُ
كـأنَّ صـَوتاً يـُناديـني ، وأسـمَعـُه ُ *** يا حارِسَ الدّار .. أهلُ الدارِ لن يـَصِلوا
إلى آخر القصيدة …