يعد الولاء والعقيدة أموراً هامة في حياة الفرد، لأنها تعكس مجموعة من المعتقدات والقيم التي يتمسك بها الشخص وتحكم تصرفاته وتفكيره، في العراق، تعتبر هذه المفردات أموراً حساسة ومهمة للغاية، نظراً للتنوع العرقي والطائفي والقومي الكبير في البلاد.
حيث أن الولاء يعنى بالانتماء والانحياز لشخص أو جهة معينة، سواء كانت دولة أو مجموعة سياسية أو طائفة دينية، ويعتبر الولاء الداخلي الذي يتم تجاهله في العراق أحد الولاءات الأساسية، لأن الفرد من خلاله يتفاعل مع وطنه ويعمل على تطويره و يسعى للعيش فيه بسلام واستقرار، وبالنقيض، يعتبر الولاء الخارجي فوق الدولة والذي يرتبط بالعقيدة والانتماء القومي أو الديني أمراً هاماً أيضاً، لأنه يرى الدولة بنظرة تحتية و يعتبر الولاء الذي يتبعه أعلى منها.
عانى العراقيون منذ فترة طويلة من الاقصاءات والتمييز الذي فرضه الحكام السابقون، فقد عاش الأكراد تحت وطأة عبارة “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” التي هدفت إلى إلغاء قوميتهم الكوردية وإلزامهم بالهوية العربية، مما أدى إلى تكوين ولاء داخلي للقومية الكوردية فوق ولاء الدولة. وبالمثل، عانى الشيعة من الاضطهاد والتهميش، والقتل والتهجير، سنوات من البأس والمقابر الجماعية، فقط لأنهم شيعة، هذا أنتج ولاءاً فوق الدولة للمذهب الشيعي، حيث أن العراقيين من المذهب الشيعي بدأوا يعتبرون الرابط المذهبي أعلى من الدولة.
تشكل هذه الولاءات “فوق وتحت الدولة” تحدياً كبيراً لترسيخ العقيدة الوطنية في العراق، فالولاء الداخلي للدولة يعتبر أساساً للتعايش السلمي والتقدم في أي مجتمع، ولكنه يتطلب وقتاً طويلاً لتحقيقه، وسبلاً عديدة لتنميته، يجب أن يكون هناك حماية لحقوق الأفراد وانتماءاتهم، حتى يشعر المواطن العراقي بأنه مقدر وأن معتقداته وقومياته محفوظة ضمن نطاق الدستور، ولذلك فإننا نحتاج إلى عقدين من الزمن.. وربما أكثر لإنهاء شعور الكورد بأنهم مواطنين من الدرجة الثانية، وكذلك نحتاج إلى أن نستشعر القوة بأننا جزءاً من السلطة اليوم، حتى نعرف بأهمية الدولة فوق الشيعية.
لتحقيق ذلك، يجب أن يكون هناك تعزيز للوحدة الوطنية والتضامن بين جميع العراقيين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية، يجب أن يعمل الحكام على تنفيذ سياسات شاملة تلبي احتياجات ورغبات المجتمع العراقي بأكمله، يجب أن يتم تشجيع الحوار البناء والتعاون بين الأطياف المختلفة لتعزيز الوحدة الوطنية.
علاوة على ذلك، يجب أن يتم إشاعة أهمية العقيدة الوطنية بين الأفراد ولا يتحقق ذلك إلا اذا تم توفير فرص العمل والتعليم المتساوية لجميع العراقيين بغض النظر عن انتماءاتهم، وتحقيق العدالة الاجتماعية للقضاء على التمييز والتهميش، يجب أن يكون هناك نظام قانوني يحمي حقوق الأفراد ويعاقب على أي تجاوزات تتعارض مع مبادئ المواطنة والمساواة.
يجب أن ندرك أن تحقيق الولاء للدولة ليس بالأمر السهل، ولكنه ضروري لتحقيق التقدم والاستقرار في العراق، يتطلب ذلك وقتاً طويلاً وجهوداً مشتركة من جميع الأطراف، وعلى الحكومة أن تضع خططاً استراتيجية لتعزيز الولاء للدولة وحماية حقوق الأفراد وانتماءاتهم، فقط عندما يشعر المواطن العراقي بأنه جزء لا يتجزأ من وطنه ومحترم ومقدر، سيتمكن من الالتزام بولائه للدولة والعمل من أجل تحقيق تطلعاته وتطور بلاده، وسيبقى الوقت هو التحدي الأكبر في إنهاء أو استمرار عقدة الولاء لغير الدولة.