18 ديسمبر، 2024 10:44 م

منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ومعظم مراكز السلطة والقرار العربي إنتقلت ملكيتها من الدولة العثمانية إلى الدول التي إنتصرت عليها , فمواقع الحكم والسلطات ليست من ملك الشعب , وإنما تتفاوت نسب ملكيتها من دولة لأخرى , وأغلبها تشترك في أنها ليست حرة الإرادة ولا صاحبة القرار.

وما دام الكرسي مُلكا لغير العرب , فأن الجالس عليه لا يملك حق القرار , بمعنى أن الجالسين على الكراسي وكلاء يمثلون مالكيها وحسب.

ولهذا فأن تلك الكراسي لم تقدم شيئا لصالح العرب , وإنما كرّست مصالح الآخرين وحققتها , ونفذت المشاريع المطلوبة منها بدقة وإخلاص يتناسب ومدة البقاء في الكرسي.

ويبدو أن الحاكم بأمر موكله لا يتجاوز خطوطا معينة حمراء ساطعة , وعليه أن يكون عدوا لشعبه , ويسخّر طاقات البلاد لتدمير العباد وقهرهم وتلويعهم , والزج بهم في أتون الويلات من حروب وصراعات وتفاعلات خسرانية دامية.

ويوفر مانح الوكالة وسائل الدعاية الإعلامية والإسناد المتنوع لترويج وتسويق وكيله , فيجعله القائد الأعظم , وعندما ينتهي دوره يتحول إلى مجرم وسفاح , وقاتل لشعبه ومدمر للحرث والنسل , بل ويصبح مجرما بحق الإنسانية , ولا بد من مقاضاته وإعدامه على الأشهاد , فهذا الوكيل قد خان الأمانة , بمعنى أنه أدّاها بإتقان.

وكل وكيل دمية , وفاقد القدرة على تقرير أي شيئ , ويكون وجها مزيفا من خلاله تنفذ القوة المتسلطة إرادتها , وتسعى نحو الحفاظ على مصالحها.

ومن المخزي أن يكون من العرب مَن هو ضدهم , ومن المسلمين مَن هو عدوهم , ويمتلك الإستعداد التام والتأهيل المطلق والمسبق للقيام بدور الوكيل , والحفاظ على مناهج وبنود الوكالة وتنفيذها بحذافيرها , وأي خلل في التنفيذ يكلفه حياته ومنصبه.

والأمثلة لا تحصى في أكثر دولنا المحكومة بالوكالة منذ الربع الأول من القرن العشرين وحتى اليوم , ولا يوجد مَن جلس على كرسي الحكم ونفع شعبه وبنى بلاده , وإحترم الإنسان ووفر له وسائل العيش الرغيد , إلا فيما قل وندر.

فأغنى الدول النفطية تصل فيها المعاناة إلى حالة لا يمكن تصورها , وتأملوا العراق الذي يعاني شعبه منذ عقود من شظف العيش وفقدان الأمن والسلام , وهو من الدول النفطية الغنية , وكذلك غيره من الدول الأخرى , التي فيها وكلاء يسمّون أنفسهم حكاما وقادة وغيرها من الألقاب , وما قدموا خيرا إلا لموكليهم , أما الشعب فلا قيمة له ولا معنى , ومن واجباتهم قتله وتدمير وجوده وإضعافه والتنكيل به وتهجيره.

تلك حقيقة الوجود العربي الموجعة المفجعة على مدى قرن , ولا يزال الحبل على الجرار , ومن العجب أن لا يتم الإعلان عن الإحتلال الصريح للبلدان , وسر العجب هو التنصل من المسؤولية وإلقائها على الوكلاء , الذين يتم تعليقهم على المشانق بسهولة , والضحك على الناس وإيهامهم بأنهم هم السبب لا غير , ويذهب وكيل ويأتي وكيل , ولعبة الغش والخداع والتضليل , تتنامى وتتعقد وتتشابك وبألف مكيال ومكيال تكيل.

فكيف يكون الشعب وتتحقق الأمة , وإرادتها مصادرة وقرارها أمرٌ صادر لوكيل؟!!

وعاشت الكراسي يا أمة المآسي!!