23 ديسمبر، 2024 9:05 ص

وكأن التاريخ قد ولد بلا شرف ولا ضمير!! .. أساس المشكلة الاشورية في العراق

وكأن التاريخ قد ولد بلا شرف ولا ضمير!! .. أساس المشكلة الاشورية في العراق

مقدمة
 تعتبر مؤامرة بريطانيا ضد الآشوريين من أقذر المؤامرات الدولية ضد شعب آمن على  وجه الارض وذلك استنادا الى منطق التاريخ الزاخر بكل الوقائع والأحداث التي تفضح حقارة الساسة الانكليز في التعامل مع الآشوريين.

لقد تخطت مؤامرة الانكليز أقصى درجات الانحطاط الخلقي حينما ضربوا بعرض الحائط حق الشعب الآشوري في العيش على أرضه التاريخية وذلك بمصادرتها وتوزيعها على الامم المجاورة في لعبة اتسمت بالوعود الكاذبة التي ظهرت فيها كل معاني السقوط الاخلاقي والدناءة بدرجاتها القصوى كان بالامكان تفادي نتائجها لو كان في نية بريطانيا إعادة الحق الآشوري كما يجب.. حكما ذاتيا كما أتفق عليه!!.

لقد كانت مؤامرة سجلت فيها بريطانيا (العا..رة) سبقا انفردت به على البقية في سجل الاستعمار ونالت عن جدارة والى الأبد تحقير الشعب الآشوري لها ولعناته الى يوم القيامة، ولا نستثني من هذا ذلك النفر الضال الذي أرتضى حياة الذل والمهانة لشعبه بتقبيل أيدي الاستعمار البريطاني والترويج لمخططاته مقابل ثمن بخس.. لعنة الله ولعنة أشور وأجيال شعب آشور عليهم.
*************************************************************************************

في تشرين الثاني من عام 1922 أنهت هدنة ( مودانيا ) الحرب اليونانية – التركية مما أتاح الفرصة للاتراك بزيادة مطالبتهم بولاية الموصل وقد كان واضحا لبريطانيا بأن الامور ستسير في صالح تركيا لسوء الاحوال السياسية في العراق.
كانت بريطانيا غير غافلة عن حقيقة شعور الآشوريين ( سكان إقليم الموصل ) بتخوفهم من السيطرة التركية بسبب جرائم الأتراك التي يندى لها الجبين, فاستغلت بريطانيا هذا الموقف واقنعت القيادة الآشورية بقبول الوصاية البريطانية .
أن قبول الآشوريين بالوصاية البريطانية كان الفخ المحكم الذي تعول عليه بريطانيا كل آمالها بجر اقليم الموصل تحت سيطرتها من خلال سيطرتها على العراق.

في 20/11/1922 أحيل الخلاف بين بريطانيا والعراق من جهة وتركيا من جهة اخرى حول إقليم الموصل الى مؤتمر لوزان, وقد انهى المؤتمر اعماله في 2 شباط 1923 دون حل قضية اقليم الموصل مما حدى بالاتراك المطالبة مجددا بالموصل واعربوا عن رغبتهم في اجراء استفتاء محلي يؤخذ فيه رأي السكان, الا ان بريطانيا احالت القضية مرة اخرى الى اجتماع مجلس عصبة الامم في باريس ضمن رسالة ممثل بريطانيا في المؤتمر ( اللورد كرزن ).
أن اقليم الموصل ( ولاية الموصل ) يشمل ضمن حدوده الجنوبية والشرقية كافة المحافظات الشمالية العراقية الحالية ممتدا الى الشمال الشرقي حتى بحيرة اورميا (شمال غرب ايران) ويمتد شمالا (جنوب تركيا) الى حيكاري وغربا فيشمل شمال شرق سوريا وأن عدد الآشوريين في الاقليم وما موزع منهم داخل العراق يصل الى مليوني نسمة.

كانت الاحوال السياسية في العراق لا زالت غير مستقرة بسبب فشل اجراء انتخابات المجلس التأسيسي حيث توقفت الانتخابات في اواخر كانون الثاني 1923 وقد كان قد مضى على وزارة السعدون الاولى (عبد المحسن السعدون) عام ونيف.
كان السعدون قد حدد سياسته تجاه تركيا في ما يخص اقليم الموصل (بسد الباب في وجه تركيا وسوف يوفر على العراق جهدا كبيرا..). الا أن سياسته هذه كانت تلقى المعارضة من قبل المؤيدين لتركيا, ولا بد من الاشارة الى ان من اسباب تعطيل انتخابات المجلس التأسيسي كان لاحتمال رفض بعض المناطق الشمالية الاشتراك في الانتخابات مما يعطي الحجة لتركيا في احتواء تلك المناطق وضمها لها اذا ما بحث موضوع اقليم الموصل في عصبة الامم. 
 
لقد لعبت بريطانيا دورها المزدوج القذر ضد الآشوريين من جهة والعراق من جهة اخرى حيث كانت تضغط على العراق من خلال المعاهدة الانكليزية- العراقية التي ترسخ اقدام بريطانيا في العراق لمدة طويلة وذلك باستغلال قضية اقليم الموصل , فأن رفض العراق المعاهدة سيؤدي الى احراج موقفه في ضم الاقليم اضافة الى ان بريطانيا ستقدم الى عصبة الامم اقتراحات جديدة بشأن مستقبل العراق كمحاولة ابتزاز , وفيما يخص مخططهم الاجرامي ضد الآشوريين فقد كان واضحا من خلال وعود كاذبة تجلت فيها كل مفاهيم الخبث السياسي بعدم الالتزام والغدر( بحليفهم الصغير).

ففي عام 1924 كانت المباحثات عن مستقبل اقليم الموصل جارية ولم يتقرر بعد عائدية هذه المنطقة ما بين العراق وتركيا، وقد كانت كل من تركيا و بريطانيا تجاهدان في استمالة الآشوريين للتصويت انضماما لاحداهما، ومن جملة ما وعد الانكليز به الآشوريين هو ما جاء على لسان ( جاكسون ):
(اذا ضممتم صوتكم الى صوتنا في عائدية الموصل لنا فسوف يكون حكم ذاتي ووطن حر لكم في هذه المنطقة ). ومن جانب آخر كانت تركيا قد سعت بكل جهودها لضم الاراضي الاشورية لها مستندة على أساس سيطرة الامبراطورية العثمانية على تلك المنطقة لعدة قرون، وانطلاقا من هذا المفهوم الاستعماري جاءت مقولة وزير الشؤون الخارجية التركي انذاك(رشدي بيك) لآغا بطرس وملك قنبر في مؤتمر جنيف 1925 ( نحن نعلم بانكم تطالبون بعائدية الموصل الى العراق تحت الوصاية البريطانية وانتم على علم باننا نطالب بها كونها من الاراضي التركية(؟؟) قبل الحرب… وانتم كنتم من رعايا تركيا(؟؟) لقرون طويلة تحت الراية التركية في منطقة حيكاري ).
أن ما ورد على لسان (رشدي بيك) انما هو مغالطة وافتراء وتجني على حقائق التاريخ العريق الذي يكفل ملكية الشعب الآشوري وحقه في تلك الاراضي، فالاراضي الاشورية لم تكن من اراضي تركيا كما ادعى هذا التركي وان سيطرة الامبراطورية العثمانية لقرون لا يعطيها الحق في مصادرة الحق الطبيعي والتاريخي والشرعي للآشوريين في ارضهم .

 
ما الذي جذب اهتمام بريطانيا بإقليم الموصل؟؟

في صراعها مع تركيا لم تقدم بريطانيا أي تنازل بشأن الموصل، وقبل مؤتمر لوزان بفترة طويلة كانت بريطانيا قد اتفقت مع الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم المساعدة لبريطانيا في صراعها حول الموصل مقابل ان تعطي الاخيرة 20% من ناتج نفط الموصل للشركات النفطية الأمريكية.
ارادت بريطانيا ان تبقي اقليم الموصل ضمن العراق لأن للانكليز مصالح نفطية في المنطقة , فبينما كانت اللجنة الاممية لا تزال في العراق سارعت شركة النفط التركية تدعمها السلطات البريطانية تفاوض الحكومة العراقية في شأن الحصول على امتياز النفط في ولايتي الموصل وبغداد. فقد وافقت وزارة ياسين الهاشمي على الامتياز في 14 آذار 1925 بعد ان لمست ان بقاء اقليم الموصل جزءا من العراق مرهون بمنح شركة النفط التركية امتياز النفط في الاقليم، حيث صرح المندوب السامي البريطاني في 7 شباط 1925 : (…. ان هناك عددا كبيرا من الجماعات الدولية التي تؤلف هذه الشركة لها اهتمام بنفط ولايتي الموصل وبغداد…)!!؟؟

ياترى من هي تلك الجماعات الدولية الكبيرة التي تؤلف شركة النفط التركية؟؟ هل نستنتج ان مصالح تلك الجماعات الدولية كانت تتعارض مع مصلحة الآشوريين؟؟ وهل يقودنا استنتاجنا الى ان الجماعات الدولية كانت تشكل قوة دولية كافية داخل المؤتمرات لإفشال أي مشروع آشوري يعيد حقوقنا؟ ولربما وبسبب ذلك شجعوا أبناء الشعب الآشوري على الهجرة من تلك البقاع ليخلو الجو للعبة المصالح النفطية والضحية هم الاشوريون وليكن حقهم في مهب الريح وبلا رجعة!!

لقد حسبت بريطانيا النتائج المستقبلية بدقة منذ اللحظات الاولى في تعاملها مع الآشوريين , وكانت على علم بقوة وشجاعة المقاتل الآشوري, والاهم بموارد النفط في الاقليم, ولهذا صعدت من ممارساتها الخبيثة في اشعال نار الفتنة والاحقاد والاقتتال , ولكون القيادة الاشورية كانت قيادة دينية- سياسية لم تضع في حساباتها وهي لاهثة وراء سراب الوعود البريطانية الكاذبة ان بريطانيا (المسيحية) قد تغدر باتباع المسيحية الآشوريين, وعليه فقد دفعت بالآشوريين الى تهدئة الاجواء في المنطقة لصالحها مستغلة ايمان الانسان الآشوري بقضيته وهو إنما كان يقاتل ويستشهد من اجل حقه في الحياة  ومن أجل ارضه ولكن في الحقيقة كان الأمر في عيون ساسة بريطانيا تمهيد الاجواء لنشاطات الجماعات الدولية النفطية!!

أن كان الآشوريون قد نسوا، فأعدائهم التاريخيين لم ولن ينسوا !!

ولرب سائل من يسأل عن طبيعة المنطلقات السياسية والدينية والاجتماعية والتاريخية التي كانت تشكل المحور الفكري البريطاني الاستعماري في التعامل مع الآشوريين بطريقة محكمة والتي نتجت عنها أكبر مأساة سجّلها التاريخ المعاصر .
لو نظرنا الى خلفيات الامور بعين بصيرة لوجدنا أن كل الشعوب القديمة قد استمرت اجيالها تحكم اوطانها الا الشعب الآشوري الذي فقد وطنه من خلال فقدانه الكيان السياسي كدولة آشورية , وهذا السر المحيّر في عدم تمكن الانسان الآشوري المقاتل من استعادة كيانه السياسي لا نرى فيه منطقا يرتقي الى مصاف الحقائق المتداولة والمعروفة الا اذا أشركنا في تصوراتنا أن قوة ما تحاول دوما إبقاء الشعب الآشوري على ما هو عليه ولأجل غير مسمى , فخططوا بما يجهض أي بارقة أمل في عودة الكيان السياسي الآشوري الى خارطة العالم .
 
بريطانيا تتنصل من الحكم الذاتي للآشوريين

لقد ضربت بريطانيا عرض الحائط كل القيم الاخلاقية بالتنصل من الحكم الذاتي ضمن وعودها للآشوريين منتزعة بذلك حقهم في أرضهم فساومت عليه من اجل امتياز النفط , لا بل وعملت عن سبق واصرار على عدم تمكين الآشوريين من طرح قضيتهم في المحافل الدولية.
تلك هي الاستراتيجية ذات الابعاد القذرة والمهينة للشعب الآشوري التي سار عليها الانكليز بالتواطؤ مع من له مصلحة في إيذاء الشعب الآشوري مستغلين وضع الآشوريين التعس.

وهكذا أبرم الاتفاق النهائي بين تركيا وبريطانيا والحكومة العراقية برسم خط بروكسل كحدود فاصلة بين العراق وتركيا والذي بموجبه تم توزيع الاراضي الآشورية فيما بين الدولتين ومنها ما ذهب الى إيران والى سوريا لاحقا.
وبذلك تعهد العراق لتركيا بدفع حصة من نفط الموصل لمدة 25 سنة وبنفس الوقت قطعت بريطانيا عهداً لتركيا بعدم عودة الآشوريين الى ديارهم في منطقة حيكاري الاشورية التي تم ضمها الى تركيا, وبهذا تم حل قضية اقليم الموصل وضاعت حقوق الآشوريين الى يومنا هذا !!!!
لقد أتسم موقف عصبة الامم بالانحياز الكامل بما يضمن عنجهية وغرور بريطانيا في تمديد سيطرتها على العراق. فقد وافقت عصبة الامم في 16/12/1925 بجعل خط بروكسل نهائياً بشرط ان تعقد معاهدة جديدة بين بريطانيا والعراق تضمن دوام الانتداب البريطاني لمدة 25 سنة اخرى وهي المعاهدة التي طالما رفضها العراقيون , وقد حرصت بريطانيا على ان لا يبت المجلس التاسيسي في العراق في مسألة الحدود بصورة نهائية الا بعد موافقة العراق على المعاهدة والتي كانت بمثابة العار والمذلة له, ومما يجدر ذكره ان بعض ممثلي الشعب كانوا رافضين اساسا لمسألة ضم اقليم الموصل الى العراق لكونها مرتبطة بفرض المعاهدة البريطانية الجائرة عليهم.

    ما يزال الملف مفتوحا
أن تنصل الحلفاء من التزاماتهم لا يعفيهم الى يومنا هذا من مسؤوليتهم تجاه القضية الاشورية , فالوعود التي قطعتها بريطانيا للآشوريين باقامة الحكم الذاتي لهم مقابل قبولهم بالانضمام الى العراق لا يعفي العراق هو الاخر من تبعية المسؤولية , حيث لم يكن بإمكان العراق ولا بريطانيا ان يحصلوا على الموصل لولا موافقة الآشوريين.. فماذا جنى الاشوريون من ذلك؟؟ أهكذا تقابل النزاهة ومبادئ الشرف في تحمل مسؤولية القرار من جانب الآشوريين بالانضمام الى العراق بما يقابله من غدر وخيانة وسرقة من جانب بريطانيا (المسيحية!!) والحكومة العراقية وقتذاك برئاسة عبد المحسن السعدون ( المجلس التأسيسي ) شاهد عيان على كل ما جرى من اتفاقيات والتي تؤول مسؤوليتها الى الحكومات العراقية المتعاقبة الى وقتنا الحاضر.
لقد سرقت بريطانيا الاراضي الاشورية في لعبة سياسية خسيسة فاتضحت معالم وأبعاد المؤامرة التي استفاد منها العراق لاحقاً.
لقد تخطى الظلم على الآشوريين كل المقاييس ومن كل الجهات وقد استنفذ صبرهم الذي ما بعده صبر في انتظار الدولة العراقية الاعتراف بجميلهم بتقديمهم اقليم الموصل على طبق من ذهب مقابل اعتراف بريطانيا والعراق بالحكم الذاتي لهم.

أن ما قامت به بريطانيا من تخطيط رهيب في لعبة سياسية خبيثة قد اتسمت بالغدر والخيانة العظمى حيث جندت فيها كل الوسائل القذرة من إرساليات تبشيرية تجسسية بحجة الدين وسياسة الترغيب والترهيب وشراء الذمم وسياسة فرق تسد باختلاق الفتن حتى راح ضحية تلك السياسات القذرة مئات الآلاف من الآشوريين الابرياء تطوف ارواحهم  فوق ذرى جبال آشور دون ذنب اقترفوه سوى كونهم احفاد الآشوريين العظماء ولكي يتم تطويعهم للقبول بالانضمام الى كيان سياسي جديد على اراضيهم لا يحمل اسمهم سمي  (العراق) الذي كان تحت الانتداب… وهكذا سرقت ارضهم بدون مقابل.

أن قلوبنا وضمائرنا مشدودة الى الوطن.. ولكن هناك غصة وألم تعتصر انساننا الآشوري متسائلاً عن مغزى الشرف والامانة والضمير لدى أولئك الذين ائتمنهم الاشوريون على أعز ما يملكون فغدروا بهم.. واليوم يأتي من يطالب الآشوريين بما يختبر ضمائرهم وشرفهم الوطني الذي داست عليه بريطانيا (العا…رة) بلا رحمة فكان الثمن شهداء بمئات الآلاف ومشردين في اصقاع العالم.. ثمناً دفعه الاشوريون حالا وعند الطلب فقبضوا بدلا عنه لا شيء.. لا شيء مطلقاً ولا من يحرك ساكناً , وكأن التاريخ قد ولد بلا شرف ولا ضمير!!          
 
المصادر :
1- عبد المحسن السعدون / دوره في تاريخ العراق السياسي المعاصر .
تأليف الدكتور لطفي جعفر فرج عبد الله – بغداد 1988
2- الاشوريون والمسالة الاشورية
تأليف الآشوري ق.ب. ماتفيف (بارمتي)1979   
 ترجمة ح.د.أ – دمشق 1989
3- آغا بطرس
تأليف نينوس نيراري   
ترجمة فاضل بولا – سان دياكو 1996