لم يقل “نظّروا” , بل إعملوا ليُرى عملكم , فبالعمل تكون الحياة وتتحقق , وبالجد والإجتهاد والمثابرة يدوم العطاء الأصيل , ويتفاعل البديع الذي يلد ما هو أبدع.
ما يجري في واقعنا أننا نجيد التنظير والتسطير الفارغ الذي لا جدوى ترتجى منه , حتى أصبحت الكتابة مجردة من روح الحياة وطعم العمل.
الكل يأتي بنظريات وتصورات وتحليلات ورؤى ومواقف والواقع آسن , تتنامى في قيعانه آفات السوء والبغضاء , وتتعفن الرؤى والتصورات , حتى لتزكم روائحها أنوف الأجيال وتخنق أنفاسهم.
ماذا تقدم لنا النظريات الفارغة , والتحليلات الواسعة , إنها لا تغني من برد وحر ولا تطعم من جوع , ولا تأمن من خوف وتهديد ووعيد , وعدوان على أبسط الحقوق.
والسائد أننا نكتب ما يضر ولا ينفع , وما يساهم بتكريس ما هو قائم وتسويغ ما هو آثم , ونحسب ذلك إبداعا وتفكيرا , وبأننا أدينا دورنا وقمنا بواجبنا ولسنا بفاعلين شيئا مفيدا.
الكل يحللون وينظرون ويطببون , ومعظمنا بحاجة لطبيب يداويه ومرشد يهديه , فما عندنا من العلم قليل , وما حولنا فيضان وطغيان معلوماتي , لا تتمكن أدمغتنا الواهية أن تلم به وتهضمه , لكننا نتوهم المعرفة ونصاب بغرور الدراية , وبأننا نعلم , ونحن من أجهل الجاهلين , وأضعف السائرين فوق تراب يتأهب لأكلنا أجمعين.
فلماذا نكتب , إذا كانت الكتابة لا تخبرنا عن عمل قمنا به , ولا تساهم بشحذ هممنا وبناء عزائمنا للعمل.
هل نكتب لنتسلى ونضيع وقتنا ونعتدي على القارئ؟
هل أسهمت كتاباتنا في تغيير الواقع وصناعة تيار ثقافي قادر على التأثير وإتخاذ القرار؟
كتاباتنا بلا طعم ولون , بل أنها كالماء المج الذي لا تستسيغه الأفواه.
فنجد الناس تفر مما نكتب , وتتقيأ ما تقرأ , والعلة فينا , لأن الكتابة صارت مجرد كلام , أفرغناها من معنى العمل والرسالة والمسؤولية , فما عادت الكلمة طيبة!!