رغم أن مناسبة ( عيد الاب ) ليس قديمة وأنها إحدى ثمار ثورة المعلوماتية إلا أنني كلما حاولت الكتابة عن الاب فيها أشعر بالإحباط ونكوص القلم وتوقفه كبغل حرون ومرد ذلك يعود إلى أمرين يصعب التحرك بينهما الاول منهما عطاء الاب اللامحدود والثاني تقصير الأبناء الممتد على مساحة حياة الاب .. الاب الذي رأى في الابن حلما واملا وحقيقة تجسدت ماشية على الأرض أمام عينيه فخاف عليه من الأذى مهما كان بسيطا وسعى بكل ما لديه من أجل توفير الامان له والصحة والماكل والتعليم والرعاية والاهتمام إضافة إلى حب غير متناهي يفرح لضحكته ويبكي قبل تالمه ان جاع الابن حرم الاب نفسه ليشبعه وان تعرى حرم نفسه واكساه حتى لو كان هذا الاكساء من خلال قميص واحد كان يملكه وان مرض جال به بين عيادات الأطباء قبل المشافي العامة .. يستدين ليسد حاجته ويجوع ليشبعه ويصحبه ليكفية مشقة السير يرى فيه امتداده وتأكيد وجوده واستمرار ذكره في حياة فانية وهناك الكثير من التضحيات التي يطول ذكرها . لكن ماذا عن الولد ؟ وماهي الصورة التي رسمها لابيه في الطفولة وطلباتها التي لا تنتهي والصبا ومرحلة تكوين الشخصية وبواكير الشباب وتقلبات عمر المراهقة ومراحل الدراسة والمعاناة ؟ ثم ماذا بعد ذلك من متطلبات الحياة العملية وصراع الأجيال واختلاف العادات والمقاييس والطباع ؟ في الطفولة يرى الابن العبث وكثرة اللعب والإهمال وعدم الاهتمام حق طبيعي له ويرى رفض الاب لكل هذا قسوة وعدم حب وفي الصبا يرى حثه على الدراسة وتكليفه ببعض الواجبات البيتية أمرا لا يدل على محبة وحرص وفي الفترة الحرجة من مرحلة الشباب ( المراهقة ) يرى ان كل ما يفعله الاب هي اخطاء وأفعال مبيتة النوايا ضده وفي مابعد يضع الاب وخبرته في الحياة وحبه له وحرصه على مستقبله في خانة القديم ويعمل بالضد منه وتبدأ الخلافات فيحاول الاب التوفيق بين رغبات الابن ومتطلبات الواقع في الوقت الذي يرفض به الابن كل قول أو تصرف يصدر من الاب بخصوصه خصوصا وانه بدأ يشعر ان ميزان القوى بات لصالحه بعد وهنت قوة وصحة الوالد وتأثيره داخل البيت والحياة وتعاظمت قوته وشبابه هو ثم يصبح الاب من وجهة نظر الابن ( شايب ) و ( مخرف ) و ( قديم ) ويقبل الاب هذه التسميات حبا بمن افنى عمره لأجله ويرضى بالإهمال وعدم الاهتمام لأمره ونصيحته وقد تمر الحياة بسلام أو تقع فيها اخطاء جسام جراء تصرف الابن فيتحملها الاب نيابة عن ابنه برضا وكلما نشط الابن توارى الاب في زوايا النسيان حتى يلفه الموت فيشعر الابن بالفقد والحسرة على ضياع سنده في الحياة وملاذه ومن تحمل وزر أخطائه لكن لات مناص فالزمن لا يتوقف من أجل عيون نادم على غفلة والأب لن يعود والحياة لا ترحم فلا يجد الابن غير بعض المناسبات لإعلان شعوره بالندم ومنها ( عيد الاب ) تلك المناسبة التي لاتجفف دموع أب سالت الما ولم يشعر بها الابن ولا تعوض اهمال ابنه بعد أن وهن العظم منه واشتعل الراس شيبا .
رحم الله الآباء جميعا
ورزق الأبناء الحكمة والشعور بمعاناة الآباء معهم