سياق الاطروحة النقدية بين الأحتماء بمراجع النقد وزوائد الوظيفة المبحثية؟
مدخل:
تتعامل موجهات وآليات المنهج التحليلي/الثقافي،في مكونات المقاربة المبحثية المكرسة في جملة دراسات مباحث كتاب(تمثلات السلطةـ ومرجعياتها الثقافية في روايات فؤاد التكرلي)للباحث الدكتور محمد عبد الحسين هويدي،ضمن مشخصات القابلية المرجعية المبحثية،التي من شأنها استجلاب خواصية العلاقة التعريفية بأولية نشأة وظاهرة العوامل السببية المتحكمة في تكوين حصيلة الصورة النموذجية في بنى وعلامات النص الروائي لدى فؤاد التكرلي.لذا وجدنا الباحث هويدي يركز في مفاصل مباحث فصول دراساته حول أهم الثيمات في عوالم فؤاد التكرلي الروائية، فيما راح يستعن في جهة ما بذلك المجال من جملة مكونات أسباب الكشف عن غايات التأليف الروائي ومحفزاته في تجربة موضوعة الرواية،وصولا إلى الفعالية التكوينية في دلالات مفهوم الذات الشخوصية في حيز استنطاقاتها السلوكية والأفعالية والصفاتية في مكمن ظروف نشأتها الزمنية والموضوعية،وحتى امتدادا بواقع تداوليتها ضمن حدود ذاتها المتمثلة بواقع نزوعاتها المتراكمة في نسق وفضاء وجودها من اطار الواقع السياسي والاجتماعي والنفسي في الآن نفسه.
ـ عتبات مفهوم الكتابة وكتابة فضاء العتبة.
عندما نطالع جملة موجهات بنى الدراسات المحفوظة بين دفتي الكتاب،تواجهنا ومنذ عتبة الاستهلال تلك الفواصل المدخلية،كالمقدمة وحلقة التمهيد(في مفهوم السلطة وعلاقاتها)والتي راحت تتوزع على شكل مهيمنة سياقية خاصة من مباحث جعلت تتوسم التعريف والتحقيق المرجعي في مفهوم السلطة بكافة تياراتها ومناهجها ونظرياتها،وضمن أفق حالة جذرية من اشتراطات ومصنفات السلطة وبدلالاتها المتعددة،كالسلطة النفسية،والسلطة الشرعية،والسلطة الدينية،والسلطة الاجتماعية،وامتدادا إلى تفرعات السلطات الأخرى ذات الصلة بثيمات الرواية التكرلية.أما الحال في المبحث الأول من الكتاب فنعاين من خلاله مثل هذه العنونة(المؤلف وتنازع السلطات)حيث يكشف لنا هذا المبحث مدية تأشيرات مرحلة منجز الروائي العراقي الرائد(فؤاد التكرلي)ضمن حقبة زمنية هامة من خصب انتاجه الأبداعي السردي،وما يعنيه الباحث هويدي في حقيقة الأمر،من مرحلة العقد الخمسيني الذي حدثت فيه تأسيسات استثنائية في صقل الروح الثقافية والابداعية في محصلة مرحلة زمنية مائزة عن سابقاتها من العقود.وقد استعان الباحث في بناء مباحث فصوله على مراجع ومصادر ودوريات لا تعد ولا تحصى،بل ولا يمكن تصديقها بأي حال من الأحوال.ولكن على أية حال أجدني قائلا،بأن مستوى الجهد المبذول في مباحث دراسات الكتاب تحتاج منا إلى غربلتها قليلا،خصوصا وأن مادة دراستها،ماهي إلا أطروحة دكتوراه في كلية الآداب،ولكن رغم معرفتنا بوثوقية هذا الأمر،ومنذ قراءتنا لمستهل عتبة التمهيد،الذي جعلنا ننشد إلى كتابة مقالنا هذا تقويما.
ـ فضاء المؤول النقدي وأفق مباحث المقاربة.
وعند الوقوف على أحدى مباحث كتاب الدكتور هويدي الموسوم بعنوان(المؤلف وتنازع السلطات)تحديدا وامعانا،تواجهنا اشارة الدكتور عبد الإله أحمد حول مدى الغلو في حساسية المشكلات العاطفية والاجتماعية في تجربة القصة والرواية العراقية قائلا: (يستغرق المضمون العاطفي معظم النتاج القصصي العراقي بين الحربين..وهو بهذا يتفوق على مضامين القصة الأخرى ومنها المضمون الاجتماعي ولكنه تفوق يقوم على الكم لا على النوع..وليس لأكثر قصص هذا المضمون قيمة أدبية وفنية./الأدب القصصي في العراق منذ الحرب العالمية الثانية:د.عبد الإله أحمد ـ وزارة الأعلام ـ بغداد 1977 )وقد سلط الباحث الدكتور هويدي على محددات والعوامل الزمنية للرواية في مرحلة عقد الخمسينيات،حيث حاولت فيها الرواية تصدير أهم مؤهلاتها في مساحة ثقافية محددة ودون أن ينازعها في ذلك منازع،وعلى هذا النحو تتضح ثيمة الباحث في الحديث عن :(ولقد تغيرت هذه المعالجة السردية مع ظهور أدباء الجيل الخمسيني..عن مراحل البدايات الأولى..حيث تعمقت المفاهيم والتصورات للصنعة الروائية على وجه الخصوص./ص47 )إذ أن القارىء إلى مستوى مباحث معالجة الباحث في مشروع كتابه،قد يواجه تسجيلات لكل صراعات العقل التأليفي في موجه أنساق السلطة،ومع التوكيد والتعزيز على قراءة مادة الروايات الخاصة بفؤاد التكرلي،ضمن أفق خطاطة أكاديمية موزعة ما بين مصادر ومراجع وصيغة تعليقات الباحث في متن الوظيفة المبحثية.وفي مبحث(الذات الوجودية والتمثل السردي)يعود بنا الباحث مجددا نحو مرجعية موضوعة الذات وكيفية ترعرعها داخل الحقبة اليونانية،وصولا إلى تنظيرات مستعارة من أراء ومحاورات ومقولات الفلاسفة،بدءا بفلاسفة الاسلام وحتى مقاربات رينيه ديكارت وهيغل حول موضوعة الذات المثلى ومفهومها الفلسفي والعضوي المتسائل بروح الشكية المعرفية(الذات/اللاذات)ومرورا بعوالم تحليلات علوم النفس الفرويدية والمواضع البنيوية والتجريبية من عوالم فوكو.أقول من جهتي أن من سلبيات مباحث كتاب الدكتور هويدي،هو أنها عبارة عن أصوات مستقدمة بإضافات وتعزيزات المصادر الفائضة عن حاجة موضوعة تحليل روايات التكرلي،ما جعل من أوجه ومتون المباحث تبدو كتهليلات مترهلة عن أداة المنهج التحليلي المتبع في مباحث النقد الروائي،فما الجدوى من كل هذه المصادر الفلسفية والكلامية والألسنية والتأريخية،أقول ما كل هذا الإفراط والإسراف في الاستعانة الكاملة بأصوات المراجع والموارد،مما جعل من دراسات الباحث تبدو وكأنها حاجات فائضة وخارجة عن حدود المعاينة النقدية الواثقة من جهد وجهود الباحث المعرفية.وهذا ما راحت تنسحب في ظله مجموعة مباحث الكتاب كحال الفصل الأول: (المؤلف وتنازع السلطات/الذات الوجودية والتمثيل السردي/الأوالية الغرائزية وسلطة العامل اللبيدي/الذات والسلطة الأخلاقية)وهذا الأمر ما وجدنا في مباحث الفصل الثاني.فقط ما يخص الفصل الثالث وجدنا هناك بعض من مواطن المعاينة المبحثية ذات المسحة المسكونة بالوعي النقدي لدى الباحث،وهو يتعامل مع نصوص التكرلي من جوانب معرفية إجرائية مثمرة من جهة مشروع الباحث الملخص بمقرر أطروحة الدكتوراه،ولو أن الأمر بات لنا في شكله النسبي البسيط من دليل ودلالة الباحث المستقلة،ولكن مع ذلك لا ننكر على الباحث صوته الذي غدا يظهر لنا بين تارة وأخرى من بين سطوة المراجع وأصحابها،ليدل لنا بشهادة أو مداخلة في شكل مستقل تقريبا.
ـ تعليق القراءة:
من هنا لابد من القول الختامي في خصوص مباحث فصول كتاب(تمثلات السلطة)هذا القول الصريح منا:ما الذي يحتاجه مصطلح أطروحة الدكتوراه!؟من أدوات وفضاء وفعالية ووعي وممارسة،حتى يكون بإمكانه أن يبدو عليه حال النقد الحر،بعيدا عن نصوص وأصوات ومظاهر قائمة الإحالات المرجعية المقيتة؟هل يتصور هذا الدكتور لحظة واحدة بأنه بات يقدم عملا نقديا بارعا ما إذا تسنى إليه استعراض كل هذه اللائحة الطويلة من المصادر؟طبعا لا فأن شخصيا عندما أغور في سبر مباحث أطروحة (تمثلات السلطة)لا أرى أمامي الباحث محمد عبد الحسين هويدي، بقدر ما تبرز ألي صورة فوكو وهيغل وعلي حرب ومحسن جاسم الموسوي وصبري حافظ وعبدالله أبراهيم ومطاع الصفدي ومارتن هيدغر وكولن ولسن وياسين النصير،وإلى ما يحصى ولا يعد من أسماء رواد النقد الأكاديمي الغربي والعربي،إذن أين جهد الباحث محمد عبد الحسين هويدي من كل هذه المصادر الكبرى من المراجع؟هل النتيجة والجواب مجرد جملة من المداخلات والإضافات التعليقية من الجامع وليس الباحث أن صح التعبير؟ أنا شخصيا في أطروحة هذا الكتاب،أتفق مع الدكتور هويدي جامعا لأصوات المصادر المتنية في تكوين وتلسيق مفاصل دراساته،ولا أجد نفسي متفقا مع آليته كباحثا أو ناقدا على مستوى ما من التقريب أو التهميش.أقول أن الذائقة النقدية في حقيقة الأمر عاملية مركزية وجوهرية وفعالية خاصة تعتمد في الأساس الأول على جهد الناقد أولا وأخيرا،ولكن للأسف ما قرأناه في أطروحة الدكتور هويدي،ماهي إلا مجموعة مصادر وثلة من أساتذة الجامعة الذين يحاولون قدر المستطاع إكمال هوية أطروحة الدكتوراه للطالب الجامعي،ومهما كانت عليه خالصية نتيجة ذلك البحث من خصوصية وسطوة أصوات الآخرين في استكمال صوته الواهن.ختاما أعرض ما جاءت به إضاءة الدكتور الناقد الأكاديمي علي عباس علوان حول أطروحة الباحث الدكتور هويدي،أحببت عرضها للقارىء لتكون شهادة غريبة من ناصية أكاديمية باذخة في مجال النقد الأدبي: (كان مسرود المصادر والمراجع حاشدا وأكاديميا لا غبار عليه..وكانت استنتاجات وتعليقات الباحث وإلتفاتاته بمستوى ممتاز من الدقة والتنبيه والنجاح أثارت أهتمامي و أعجبت بها./تبويب الكتاب:علي عباس علوان)بهذه البساطة أفتى الدكتور علي عباس علوان بنجاح هذا الكتاب النقدي،مشجعا على وسيلة استخدام المراجع والمصادر حتى ولو كانت تتيح للباحث فقط زاوية التعليقات والاستنتاجات النسبية؟!أقول ختاما أنا لست بالضد من صاحب أطروحة الدكتوراه ولا من جهة ما بالمحمول والمشحون بالعدوان على مناهج النقد الأكاديمي أطلاقا،ولكن أقول ببساطة من الخطأ العظيم أن يتم طبع وتسويق أطروحات الدكتوراه على هيئة دراسات نقدية رصينة،وهي تتعكز على موجهات المصادر والموارد الحاشدة من الكتب والدوريات،وكأنها محاولات في الجمع والتجميع لأجل الوصول إلى مبتغى درجة ومرتبة الدكتوراه،دون فاعلية الطموح والرؤية والخلفية المعرفية للباحث النقدي الجاد والرصين،فيا للخيبة طالما أصبحت النقود الأدبية تسوق من خلال أطروحات جامعية باردة في هيئات نقدية مستهجنة؟!