18 ديسمبر، 2024 7:21 م

وقع النقد على السطحيين

وقع النقد على السطحيين

النقد (بشطره البناء) وهذا المصطلح الرائج يقصد منه ان يكون كلام الناقد وسطوره وادلته وتحليله تصب في نتيجة المراد منها التنبيه على الخلل وتوجيه المعنيين به لتقويمه .
فالنقد تقييم وتقويم معا ، وهذا يشمل كل فروع النقد واقسامه وجوانبه ، أدبا او سياسة او اجتماعا او حتى دينا (في المسموح من مفاصل الدين)،
ولنثبت ملحوظة هنا ان ليس كل موضوع نقدي يطرح نطلب من كاتبه حلا ، وانما الحلول احيانا عند المتخصصين ، فمن غير المعقول ان يشخص ناقد ما خللا في الاداء الحكومي في مصلحة خدمية او امنية او صحية او حتى تعليمية ، فينبري له مجادل ان “آتنا بالحل بدلا من النقد والتهجم “! فالخلل بائن لكل ذي عينين او بصيرة ولكن الحل عند اهل التخصص وهذا شأنهم، فهذا لايكون عذرا لوقف النقد والناقد عن واجبه او رسالته او وظيفته او لنسمها قدرته على رصد الخلل .
فالناقد الاجتماعي مصلح في ذاته ان اخلص النية والتزم نقد نفسه اولا واصلاحها ، وان لم يكن مصلحا بذاته فان المصلحين يستقون منه كثيرا من منطلقاتهم ومواضيعهم ومحاورهم حيث يرشدهم الى بعض مواطن الخلل في ميادينهم التي يعملون بها من سياسة او اجتماع او غيره.
و بقدر مايكتسب الناقد المخلص البصير محبة وتاييد الطامحين الى الاصلاح والتغيير والتعديل من عموم الناس – اذ يعبر عما يريدون مما لايستطيعون التعبير عنه او ايصاله – وكذلك كسب مناصرة المثقفين المحايدين الموضوعيبن “حتى لو طالهم هذا النقد احيانا” ، بقدر ما يزعج الناقد ونقده فئات اخرى وان كانت غير مستهدفة بالنقد مباشرة ، وذلك لعمق التعصب للخطأ في دواخلهم لدرجة انهم لايتهمون انفسهم ولايراجعونها او لشدة اسطحية في عقولهم.فالسطحية او العنصرية وربما النرجسية في التحسس من النقد هي مما يستفزهم .
فالمفروض ان النقد يتقبل ما تجنب جرح التشخيص او اساءة التعميم بصفات جارحة لشعوب او امم او قبائل بعينها او شرائح ، الا الشخصيات العامة التي قبلت لنفسها ان تتصدر السياسة والحكم فهؤلاء لابد من ذكرهم باسمائهم لما تشكله تلك الاسماء من مواقع اعتبارية تؤثر في معايش الناس ومظالمهم ومستقبلهم فلايعقل السكوت عليهم بحجة البعد عن الشخصنة والذات . بل هم مقصودون بذواتهم لانهم يتحركون باسم امة او دولة او فئة واسعة ويؤثرون في عموم حياة الناس .
ولذا فان المعارضة في الحكومات والبرلمانات وكذلك الصحافة والناشطين والكتاب كلهم نقاد مقبولون مخولون مكفولو الحق قانونا ان يتعرضوا لافعال الحكام واخطائهم مما يرونه غير ملائم للمصلحة العامة وبما يرونه تصحيحا للخلل.
اما السطحيون من المنتسبين للثقافة فان النقد يؤذيهم بلاشك وتراهم يمتعضون ويعترضون ويغضبون لدرجة ان ذكرت بلدهم او حكامه او جانبا منه بمافيه من خلل (ومن منا يخلو منه) هاج وثار وابدى مايظنه حمية وطنية واخذ يشخصن الامر ويلوي ذراعه ليكسب تعاطف امثاله دون ان يفكر ان يواجه الحقيقة ويحاول تعديلها .
حتى بلغ الامر ببعضهم انك اذا قلت ان البلد الفلاني انما انهكه الفقر انتفض وجعلها اساءة له قائلا: “لسنا فقراء وكذا وكيت،،” حتى وان كنت قصدت الفقر المصطنع من قبل اعداء بلده او حكامه بامر لايخفى على احد ، متناسيا متغاضيا عمن يعيشون في المقابر من ابناء جلدته بعشرات الالاف ، ومن ياكلون من المزابل بمئات الالاف، ومن يسكنون في العشوائيات بالملايين ، ومن لايجدون تعليما او رعاية صحية كافية بعشرات الملايين ،
هو لايكلف خاطره المرعوب ان ينظر حوله الى بلدان هو يعاديها ونظامه يحقد عليها ويحسدها ، وهي تتمتع باعلى درجات النظافة والتمدن والتحضر والخدمات، وانما يعمي عينينه ويغمي بصيرته وينساق -مختارا مغيبا- وراء تخدير اعلامي يصنعه الحاكم البوليسي الفاشل ، وهو يمشي في شوارع مهشمة وبنايات قبيحة المنظر محطمة الدواخل ، والخدمات المتهالكة ومستشفيات لاتصلح للحيوانات ومدارس يتقاتل تلاميذها على المقاعد لندرتها
يتغاضى عن كل هذا لمجرد انه يجد قوته بالكاد ويظن هذا فضلا من حاكمه المتغول .
بل و يجر معه بعض العوام الذين يتبعون كلامه كونه مثقف فيتخذونه قدوة. وكل ذلك مستغلا تعاطف من هو مثله سطحية او شبيهه في العنصرية الغبية او منافسه في التلذذ بانظمة البطش والعسكر ليهتف لهم ميتهم وحيهم ، سابقهم وحاضرهم متمرغا في الذل الذي استمرئه لنفسه ولأهله ويجده في فمه اشهى من العسل وهذا حال اغلب بلدان العرب اليوم والتي يشدق بعض مثقفيها بالدفاع عن انظمتها وعن فقرها وعن خرابها وذلها متسترين وراء وطنية او قومية مدعاة لاصلة لها باصلاح الخلل والعطل والانحطاط محاربين من ينقدهم ولو كان ناصحا محبا و:
من يهن يسهل الهوان عليه ،،،مالجرح بميت إيلام