23 ديسمبر، 2024 12:25 م

وقتهم من ذهب .. ووقتنا من صفيح

وقتهم من ذهب .. ووقتنا من صفيح

الشعوب المتحضرة تحترم الوقت ، وتعد كل ساعة منه فرصة جديدة لتألق حياتهم وتجددها وازدهارها. فلديهم ” الوقت من ذهب”  وهو ” كالسيف ان لم تقطعه قطعك” لذا نراهم سباقين في اغتنام الوقت لتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم لمزيد من البناء والتقدم والرقي . واليوم الواحد لديهم ينقسم إلى ثلاثة أقسام عموما. ثماني ساعات للعمل والثماني الثانية للهو والمتعة والمرح والقراءة وممارسة الهويات وغيرها من الانجازات الشخصية والثماني الأخيرة للنوم . والفرد  يعطي لكل فترة منه حقها . فهو يتعامل مع الوقت بجد وإخلاص فلا يفرط بساعات عمله بالتهرب والمماطلة والتسويف كما عندنا. ولا يفوت فرصة الاستمتاع في ساعات لهوه فهو يمارسها بحرية ويفعل ما يشاء على أن لا يتجاوزها إلى مصادرة حرية الآخرين أو يسئ استعمال حريته بأي شكل من الأشكال . ويحترم مواعيده ويأخذ كفايته من الاسترخاء والراحة والنوم .لذا ترى هذه الشعوب متقدمة في مجالات الحياة كافة فهي تتبوأ المكانة المتفوقة على غيرها من الشعوب ، في الفنون والآداب والعلوم والصناعة والتجارة والبناء . صديق لي زار لندن للعلاج وحجز عند طبيب أخصائي وذهب لعيادته بالموعد المحدد فوجد الطبيب منشغلا مع مريض . يذكر صاحبي إن الطبيب  خرج بنفسه إليه واعتذر منه عن التأخير وجاءت بعده سكرتيرته تحمل إليه العصير والمجلات وهي تعتذر أيضا ثم عادت بعد دقائق تحمل القهوة ووووالخ. ومجمل التأخير الذي حصل لصديقي حسبما يروي دقائق معدودات . أما نحن فآخر ما نحترمه، الوقت  ، فليس لدينا للوقت أهمية تذكر . فهو ضائع بين الفوضى التي نعيشها . يمر بين العبث واللامبالاة التي نتعامل بهما مع الحياة وليس له ملامح ولا اعتبارات فقد اختلطت لدينا أوقات العمل بالهزل والتنصل عن المسؤولية ،والكسل والتأجيل . ولا يهم احد منا كم يهدر من ساعات اليوم أو سنوات العمر . ويسخر البعض إذا ما حسبنا وقتنا بالدقائق والساعات حتى إن البعض لا يعرف اليوم الذي يعيشه كم بالشهر أو يعرف كم عمره . فحين تقول لشخص تأخرت عليك يقول لك خذ راحتك وعلى اقل من مهلك . وحين يشتغل معظمنا ، يهدر نصف الوقت بين اللغو والأكل والسيجارة والذهاب هنا وهناك . قبل أيام كنت أراجع إحدى الدوائر كنت أقف أمام الموظف وبيدي معاملتي والموظف لا يلتفت لي فقد كان منشغلا بالحديث مع زائر . واستمرت الثرثرة بينهما أكثر من نصف ساعة وأنا اغلي في داخلي وأتمنى أن اصرخ بوجهه ووجه زائره ولكنني خشيت أن يتصرف معي بنذالة ويمارس خبثه في الإجهاز على معاملتي ونسفها ، أو ينهرني بقسوة ويقول لي لم العجلة معاملتك إن لم تنتهي اليوم فغد أو بعد أسبوع أو شهر أو سنة ” احنه ورانا ايه “. والأمثلة كثيرة على استهانتنا بالوقت . ففي بلدنا قد يخطر ببال وزير أو مسؤول أو يحكم مزاجه ،فيقرر أن يكون _على سبيل المثال _ اليوم التالي تعطيل الدراسة أو احد قطاعات الحكومة  .أما المناسبات الدينية والوطنية والأعياد وغيرها  فحدث ولا حرج فان لم تعطى عطلة رسمية فهي عطلة أيضا يمنحها الطالب لنفسه والموظف والعامل. فيتغيب عن الدوام الرسمي دون خوف ، بحجة انشغاله بهذه المناسبة أو تلك ، وما المانع مادام لن يكون هناك من يحاسبه على تغيبه. بالوقت الذي نحن في أمس الحاجة للوقت ،فلدينا الكثير الكثير لنعمله لحياتنا حاضرا ومستقبلا، وعلينا استثماره على أكمل وجه لنعيد ترتيب أوراقنا ونتوجه لبناء بلدنا ومجتمعنا .ولا أظن أننا سنحقق ما نصبو إليه ما لم نحترم الوقت ونستغله أحسن استغلال .