ترك الراحل ضياء نافع إرثا ثقافيا إبداعيا تخطى العشرين كتاباً ودراسات ومقالات ومدونات في الأدب والأدب المقارن بالمئات كان نشرها أستاذ الأدب الروسي ومعلّم أجيال من الناطقين بالروسية في الدوريات والمواقع العراقية وغيرها وبذل جهدا يوصف بأنه يوازي عمل مؤسسة نشر في الترجمة من الروسية إلى العربية.
كان ضياء نافع أول عميد لكلية اللغات – ولعله آخرهم – جرى تنصيبه بالانتخاب لا التعيين.
نال عضوية اتحاد الأدباء في روسيا الاتحادية وان كان لم يحض بالأوسمة الكثيرة التي تنعم بها الحكومات الروسية المتعاقبة على الأجانب لأن الراحل كان متواضعا يتحلى بصفة العالم الزاهد.
بيد ان الأستاذ الذي نعاه تلامذته وزملائه في العراق بحسرة وألم، أسس جائزة جعلها ميمونة باسم نجله الراحل في عز الشباب (نوار) تمنح كل عامين لشخصيات عملت على تعزيز العلاقات والتبادل الثقافي بين العراق وروسيا. وخصص للجائزة مبلغا من تقاعده المتواضع ومن مدخراته على مدى ما يزيد على نصف قرن من العمل في أروقة الجامعات العراقية والروسية والاستضافة في جامعات عربية وأوروبية.
كان الراحل حريصا على تقديم الوجوه المشرقة للثقافة العراقية في روسيا فأسس الركن العراقي في الطابق العلوي من مبنى جامعة فارونيش، يتصدره تمثال الجواهري وخلفه جدارية تؤرخ لحضارات العراق.
غادر نافع العراق بعد الاحتلال في سنوات النار حين لم يعد الأكاديميون يسلمون من أذى حرب الطوائف وسطوة المليشيات وفقد اثنين من أبناء شقيقته قتلا في يوم واحد على الهوية حين أطلق حكام العراق القادمون مع الاحتلال العنان للرعاع بالقتل والتهجير وتسويد مدن العراق وجعل البلاد مأتما دائما.
أراد التفرغ في روسيا للكتابة والترجمة وانزوى في مدينة فلاديمير التي تبعد عن موسكو مسافة 300 كيلومتر.
مدينة اقتنى ضياء نافع في إحدى ضواحيها المتهالكة شقة متواضعة كان يقول إنها تكفي مع عقيلته الراحلة للعيش والكتابة ليفجع في الغربة برحيل وحيده نوار.
حاول أبو نوار تجاوز المصاب وكرّس وقته للجائرة التي تحمل اسم فقيده. ومنحها لشخصيات دبلوماسية وثقافية مختلفة فيما واصلت دار النشر الميمونة باسم نوار إصدار الكتب والترجمات وتوزيعها مجانا حتى دخلت عشرات المكتبات وقدمت للقراء العرب زادا ثقافيا وأدبيا قلما يحصل عليه المتلقي في العالم العربي بعد سنوات عجاف من انقطاع الصلة بين روسيا والقارئ العربي إثر إغلاق دور النشر والترجمة الروسية مثل “بروغريس” و”رادوغا”وغيرها في الجمهوريات السوفيتية السابقة.
قام ضياء نافع بدور يستحق أرفع الأوسمة، لكنه انزوى بعيدا عن الأضواء بتواضع المثقف البغدادي الأصيل.
رحل ضياء نافع بعد عام تقريبا من المعاناة، أقعدته تماما في الشهور الأخيرة وترك لتلامذته وأحبائه وصية واحدة وحيدة..
حافظوا على جائزة نوار!
ومع غصة الراحل وهو على فراش المرض، تتكدس مئات الكتب باللغتين العربية والروسية، كانت زاد الراحل اليومي ومعها عشرات المؤلفات والترجمات أمضى ضياء نافع جل سني حياته في إعدادها وكتابتها إضافةً إلى مئات المقالات في الصحف والمجلات.
تلامذة ضياء نافع بكوه بحرقة وتألموا لفقده وشعروا بالألم لأنهم لم يتمكنوا من وداعه في المدينة النائية وحضر بعضهم التشييع من موسكو ومدن روسية أخرى.
في العام 2019 احتفلت موسكو وبغداد باليوبيل 75 للعلاقات بين روسيا (السوفيتية) والعراق الملكي.
وفي حفل سفارة العراق بموسكو قلد الراحل ضياء نافع وسام وجائزة نوار لثلاثة شخصيات، مبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وإفريقيا، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وسفير العراق في روسيا حيدر العذاري، وسفير روسيا الاتحادية في العراق آنذاك مكسيم مكسيموف.
أعتقد أن تلامذة ضياء نافع في العراق، ووفاء لذكرى المعلم الفذ، سيلبون وصيته الوحيدة بالحفاظ على وقف نوار الخيري وعلى جائرة النشر الميمونة باسم نجل الراحل.
ونأمل من جامعة بغداد أن تخلد ذكراه بإطلاق أسم البروفيسور ضياء نافع على أحد أقسام اللغة الروسية أو قسم في كلية اللغات وأن تتولى الجهات المعنية نقل مكتبته الغنية إلى بغداد.
لم نتمكن من درء الموت عن الكاتب والمترجم الثر، لكنا نقدر حفظ تراثه وتخليد اسمه.