22 ديسمبر، 2024 11:21 م

وفاءً لمن أحب العراق والعراقيين

وفاءً لمن أحب العراق والعراقيين

رحيل مفكر عربي كبير وأستاذ جامعي مرموق

وفاة الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو خزام

تلقينا وبحزن عميق نبأ وفاة الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو خزام، في 30 نوفمبر، بعد رحلة علاج طويلة قضاها خارج وطنه.

وبهذه المناسبة الأليمة نعزي أنفسنا ونعزي مشايخ قبيلة الحساونة وبيت أبي خزام وأصدقائه وزملائه ورفاقه ومحبيه بهذا المصاب الجلل.

كان صديقنا وزميلنا، د. إبراهيم، مثالاً رائعاً في سمو الأخلاق والتواضع السوي والسلوك المحبب للنفوس والذي يعكس طيبة وطهارة روحه النقية والتي أضافت لشخصيته الفذة كارزما خاصة لدى زملائه والناس الذين تعاملوا معه.

الفقيد من مواليد  1952 براك الشاطي في الجنوب الغربي من ليبيا. ومما يذكر أن المرحوم الدكتور إبراهيم أبو خزام ينتمي الى قبيلة الحساونة من بطون قبائل بني سليم التي  هاجرت، في منتصف القرن الثاني عشر الميلادي، من شبه الجزيرة العربية (نجد)  لتنتشر في العراق وسوريا ومصر حتى وصلت ليبيا والمغرب. وحساونة ليبيا منتشرون في معظم مناطق الوطن الليبي في حين يتمركز ثقلهم الديموغرافي الكبير في منطقة الشاطي التي ذكرناها أعلاه، حتى أن جبل الحساونة، وهو عبارة عن سلسلة جبليّة تمتدّ شمال وادي الشاطئ، والذي يعد من أبرز المعالم الطبيعية الصحراوية في الجنوب الليبي، قد سمي بهذا الاسم نسبة إلى قبيلة الحساونة التي  تعيش فيه.

وتعود علاقتنا الشخصية بالدكتور أبو خزام الى عام 1991 م حيث كنت أعمل كعضو هيئة تدريس في جامعة الزاوية (السابع من أبريل سابقاً) وهو العام نفسه الذي أصبح فيه الدكتور إبراهيم وزيراً للتعليم العالي، حيث نلتقي باستمرار في المؤتمرات الأكاديمية  والندوات العلمية. وأول لقائي معه كان أثناء اشتراكي في أحد مؤتمرات الجمعية التاريخية الليبية عام 1992 إذ قدمني إليه صديقنا الدكتور حبيب وداعة الحسناوي رئيس الجمعية، فقال له نصاً: ” أقدم لك  هذا الدكتور العراقي الشاب الشهم والنشط علمياً، وهو من حساونة العراق الشقيق”.

ومعلوم أن التعليمات العراقية آنذاك كانت لا تسمح بكتابة اللقب العشائري في جوازات سفر المواطنين العراقيين، واسمي الرسمي المعروف في ليبيا ( د. جعفر عبد المهدي صاحب ) ، وذات مرة سألني الدكتور حبيب وداعة عن (صاحب) هل هو اللقب أم اسم الجد؟ فأجبته  بأنه اسم جدي، أما لقبي في التدرج التصاعدي، من اللِحمة الى القبيلة،هو ( جعفر ألبو قاسم المواشي الحسناوي) واوضحت له التعليمات الحكومية في العراق في عدم كتابة الألقاب في جوازات السفر.

وفي عدة مرات أخذ الدكتور أبو خزام يقدمني للجمهور عندما يأتي دوري لالقاء بحث أو مداخلة في الندوات والمؤتمرات الأكاديمية التي يصادف أن يديرها هو فيقول وبابتسامته المعهودة: ” جاء دور ابن العم د. جعفر الحسناوي، وهو من حساونة العراق الشقيق فليتفضل “.

أن رحيل  الدكتور أبو خزام، قبل كل شيء، يعد خسارة كبيرة للأوساط الأكاديمية العربية، فهو الأستاذ والمفكر والفقيه في القانون الدستوري والباحث الكبير في العلاقات الدولية والقانون الدولي. وقد عمل أستاذاً جامعياً في الجامعات الليبية، وتقلد عدة مناصب رفيعة المستوى، منها:

 شغل منصب أمين المؤتمر التعليمي العام في ليبيا عام 1983.   

 أصبح وزيراً للتعليم العالي عام 1991.

رئيس جامعة ناصر الأممية.

وشغل منصب سغير ليبيا المعتمد في العراق خلال فترة الحصار الأمريكي الجائر. ولابد من الإشارة هنا الى دور الدكتور أبو خزام في تقديم خدماته الجليلة للأساتذة العراقيين، و استقبالهم بكل رحابة صدر وتسهيل مهمة سفرهم الى ليبيا لأن له قناعة شخصية راسخة وكبيرة باعطاء الأولوية للكفاءات العراقية وتفضيلها على بقية الجنسيات لغرض العمل بعقود مغتربة في ظروف كان  العراق يعيش في وضع اقتصادي خانق مع الاقرار بأن كافة الجامعات الليبية كانت تعاني من نقص شديد في أعضاء هيئة التدريس وهي بحاجة  ماسة  للكادر التدريسي الكفوء ولمختلف الاختصاصات نظراً لسفر المئات من حملة الماجستير لغرض تكملة دراستتهم العليا. هذا ما سمعته منه بعد عودته من بغداد عام 2003.

والجدير بالذكر بأننا اتصلنا هاتفياً من أوسلو  بالدكتور أبو خزام بعد عام 2011 وذكرنّاه بما قاله لنا، حول تأسفه، بالدرجة الأولى، على ما شاهده من انهيار لمنظومة الأخلاق في العراق في ظل الاحتلال الأمريكي المجرم بحيث وصل الأمر بأن يقدم العراقيون على قطع وسرقة أسلاك كهرباء الضغط العالي لبيعها كنحاس خام!. قلت له في حينه هذا أمر طبيعي في ظروف سيطرة مليشيات حزبية مسلحة وانتشار السلاح خارج يد أجهزة الجهات الرسمية المختصة. لقد حصل في ليبيا ما حصل في العراق قبل ثمان سنوات.

أثرى الراحل الأستاذ الدكتور إبراهيم أبو خزام المكتبة العربية بمؤلفاته وبحوثه الرصينة المنشورة، ومنها:

كتاب الوسيط في القانون الدستوري

كتاب الحروب وتوازن القوى، دراسة شاملة لنظرية توازن القوى وعلاقتها الجدلية بالحرب والسلام

كتاب أزمات الدول، المفاهيم،قواعد الإدارة والتفاوض

أقواس الهيمنة، دراسة لتطور الهيمنة الأمريكية من مطلع القرن العشرين حتى الآن.

نسأل الله العلي القدير أن يمن عليه بالرحمة والمغفرة ويسكنه فسيح جنانه باذنه تعالى.