20 ديسمبر، 2024 11:42 ص

في/ شتاء اللقالق/  
تتشيءُ الرواية في أبعاض لقطات ، وتتجوهرُ اصلاً في سياق رؤيوي متمايز تقطعُ مجاريها وصفاً وحواراً، تارةً بنبرة هامسة، وأخرى بما يشبهُ الصراخ. وقد قطعت جريانها نزولاً وصعوداً وفق هذا المنظور المُزدوج. وخرج احسان السامرائي عن سياقات الرواية التقليدية الى الاستعانة بمنظور الرسم بدل السرد النمطي. وفي/ شتاءُ اللقالق/ غورٌ في ذاكرة طفولية، وامتياح المشعّ من      
قيعانها العميقة. ورصدٌ ذاكروي ودهشوي عن حياة كردية حيادية تتمرآها  بؤرةُ زمن الانتباهة الاُولى حين يتشقشقُ ويتبلورُ الوعيُ الأوَليُّ ليُسجِّلَ المرئي واللامرئي لعيان الباصرة. لقد قبض بوعيه المتيقّظ على مجرى حياة طويل.                                                                
بل كينونة مُستعادةٌ خللَ حلقات زمنية مُنظبطة  باحكام  صارم.  وما أكثرَ سؤالاتِ الطفل المستحيلة عمّا يدور ويتبلورُ حولنا، ممّا لا ينتبهُ اليها الكبارُ ، بل يتمحورُ جدليّاً الى ما يشبهُ المشاكسة كي يُرضي واعيتَه. الطريفُ المُلفت فيها أنها حاضنةٌ المناخ الكردي يوم َفتح احسانُ واعيته على تراث غرائبي له خصوصيّاتٌ وفرادة.           
من هنا تتميّزُ الرواية بسحريتها: صوراً ووصفاً وأناساً ومشاهد يومية وعجائبية وايغالاً في صميم حياتي خاص. تُرى لمَ تغرّبَ عن واقعية َ مداه البَصْريّ قافزاً الى تخوم ماضوية طُمستْ   تحت رمال العمر؟ فزمن ُ طفولته ظلّ راسخاً فيه يعلو بقية طبقات الذاكرة. وتكادُ شتاءُ اللقالق تستحيلُ معجماً لغرائبية اسئلة الصغار،   والفلكلور الكردي التي صار بعضه غريباً على الكردي أيضاً.    فكثيرٌ منه تراكم ليكون معجمَ كلّ ما يخطر ويمرُّ ببال الطفل ..  وبرغم اكتظاظ الرواية بزخم رؤيوي من دفتر بواكيره المنسية  فما بقي طيّ التذكّر استحال مدوّنات روايته العجائبية. وهو زخمٌ هائلٌ تقبضُ عليه واعيةٌ تموجُ في جدلية ِ وطراوة مشاكسة حتمية، ما يُميّزُ ذي الرواية أنّها لا تجري على جدلية نمطية ،ولا تخضعُ لقانون السرد المتعارف. فمن أيّة صفحة تقرأ تحسُّ أنك   في مبتدأ الكتاب وتتناسى ما قبل ذلك،  وأظنّ أنّ ما اجتمع فيها من دلالات وعيانات ومرموزات وشفرات  واشارات وخبايا ذاتية تدكُّ شِغافَ شغفِ القاري، بعيداً عن ملل              
السردية التقليدية. لكنّ ما يظلل جريانها المشع عثراث ٌ انشائية ولغوية لا يتّسع المجالُ لذكرها. وأظنّ أنّ أيّ كاتب آخر سيتلقفه              
 هذا المطبُّ اللغوي، كونُه يستنطقُ زمن طفولة عابرة وفيه ما فيه من عجائبية الطرح وارهاص ِ مُعاناة. وان بحثتَ عن   جدوى قراءة مثل هذه السير الذاتوية المخبوءة طيّ سني العمر 
ثمتئذ ٍ تجدُك قد غرفتَ من معين ما لم تسبق لك تجربتُه، وقبضَتَ    على سنا زمن ذاكِروي ماضِوي بعضُه ما زال راسخاً في قيعاننا المنسية ، وأخرى نستلهمها ونتلّقاها من قراءاتنا المتنوعة.  
أنا من مدينة كردية بعضُ ما قدّمه احسان محفوظ ٌفي واعيتي  وأكثرُها غريب توارى في عتام سنواتي المنطفئة .  وحسبُ أحسان ، الذي امتزجت روحُه وقناعتُه  بالثقافة الكردية ، أنّه منحنا هذا المعجم العجائبي عن موروثنا الوطني الإنساني القومي بكل مفرداته العصية
خلف زمان  مندثر .                                                               
  في / شاء اللقالق /  قصدٌ ورصدٌ في الغاء                                        
                                                  كلّ العقبات المُصطنعة التي تعمّق الهُوة َبين ابناء
الوطن المُوحّد من أعالي الجبل حتى شجر الحناء في الفاو.                       

أحدث المقالات

أحدث المقالات