من الكتب التي ظهرت في الحياة الثقافية الفكرية العربية , كتاب “طبائع الإستبداد” للمفكر السوري الحلبي عبد الرحمن الكواكبي (961855-2361902) , والذي مات مسموما , وكُتب على قبره بيتان لحافظ غبراهيم: ” هنا رجل الدنيا هنا مهبط التقى…هنا خير مظلوم هنا خير كاتب…قفوا واقرؤوا أم الكتاب وسلموا…عليه فهذا القبر قبر الكواكبي”.
وهذا يعني أن الأمة فيها أنوار قد وعت عاهة الإستبداد , ودوره في الحياة الإجتماعية وشخصت آثاره السلبية.
لكن الأمة أمضت قرنا بعد صدور ذلك الكتاب في أشد حالات الحكم الإستبدادي.
ولا أظن أن أحد الحاكمين قد قرأه وتعلم منه شيئا , أو سلوكا مهما.
بينما الكثير من حكام الدول الغربية قد إستناروا بالكتب , وكانت لهم أدلة معرفية وبوصلات سلوك يحدد إتجاهاتها المفكرون في عصورهم.
وفي الواقع العربي غالبا ما يتم مضايقة المفكرين ووصفهم بالمعارضين أو المناوئين , وغير ذلك مما يتسبب في القضاء عليهم.
وهذا سلوك ليس بجديد , فما أكثر المفكرين في تأريخنا والذين أصابهم التنكيل من قبل الحكام.
ولا تزال هذه الظاهرة فاعلة في حياتنا.
ومادام المفكر العربي مقصيا عن أنظمة الحكم , فأن الفشل والعجز عن التقدم والمعاصرة سيستمران ويتفاقمان.
فلا يمكن للحياة أن تكون أفضل من غير مفكرين ومنظرين مدركين للقوانين الأساسية , والمستشرفين لما ستلده الأيام من تطورات وتفاعلات , وهذا ما يجري في أنظمة حكم الدول القوية المعاصرة في العالم.
ويبدو أن علينا إعادة النظر في آليات الحكم والقيادة , وأن نعتمد على أنفسنا , ونستدعي المفكرين والمثقفين إلى طاولة التفاعل الحضاري اللازم لصناعة المستقبل القويم لأجيال الأمة , التي أبتليت بمن لا يملكون رؤية إلا أن يكونوا أسرى لكرسي الحكم السقيم!!