الشعوب كنوز أوطانها , وشعبنا كنز حضاري متنور أصيل , فيه من القدرات والإمكانات المتنوعة ما تؤهله للإرتقاء إلى مصاف الدول القوية السعيدة المعاصرة , وما يحتاجه قيادة منبثقة من جوهره ومعبرة عن تطلعاته وأهدافه الإنسانية السمحاء.
والوطن العراق وجود خالد ومتجذر في قلب الأرض , ولن تسمح الأرض بالنيل من قلبها الحضاري ومنطلق تقدمها ومنهل تألقها , فكم حلت به أقوام , وأقيمت دول وسيطرت عليه قوى وداهمه أشرار , والجميع إندحروا وتواصل العراق قويا أبيا , يلد شعبه ما يساهم في تأكيد وجوده وعزته وهويته الحضارية الإنسانية.
فكلهم غابوا وما غاب العراق.
فمنذ سقوط بغداد في ألف ومئتين وثمان وخمسين وحتى اليوم , توالت على العراق العديد من الدول وداهمته الغزوات , وحكمه الجلائريون , ودولتي الخروف الأسود والأبيض والدولة الصفوية وما جاء بعدها , وكلها رمتها سيول الأيام ودورانها على ضفاف المجهول البعيد , وبقيت بغداد والعراق , والشعب ينبثق من رماد الدمار والخراب , كطير الفينيق في الأساطير اليونانية.
وما حصل في العراق منذ ألفين وثلاثة , لا يمكن مقارنته بما أصابه على مر العصور والأزمان , وكل مَن يتورط بالعدوان على العراق يتداعى في ظلمات السوء الدهماء.
فالبلاد محتلة بقوى إقليمية وعالمية , خفية وعلنية , ولا يمكن الجزم بأن البلاد مستقلة وذات سيادة وقدرة على إتخاذ القرار , وقد توهم كثيرا الذين جازفوا بمصير العراق وحرروه من بند الإحتلال , فإرتكبوا بحق الوطن خطيئة كبرى لا تغتفر , لأنهم حرروا المحتل من المسؤولية القانونية , بينما الإحتلال متواصل وحتى هذا اليوم.
فالعراق لم يتحرر من الإحتلال فعليا وعمليا وسياسيا منذ ألفين وثلاثة وحتى اليوم , لكن المحتل غير مسؤول لأنه قد تبرأ قانونيا من كونه محتل, لكنه عمليا هو المحتل والذي يدير الأمور ويحقق الأهداف المرجوة والمصالح المنظورة.
ولعنة الله والتأريخ على الذين حرروا المحتلين من المسؤولية بفرية السيادة والحرية والديمقراطية , التي أوجعت المواطنين على مدى ستة عشر عام وأكثر , ولا تزال تقهرهم وتنال منهم , والبلاد محكومة بإرادة إحتلالية , تؤكدها جميع الأدلة والبراهين.
فإلى متى سيبقى العراق رهين؟!!
وإن مصيره لا بد أن يقررة الثائرون , وتبا لكل خوّان قمين !!