23 ديسمبر، 2024 3:55 ص

العلاقة بين الوطن والفتن حيوية التفاعل والتواصل , فكلما تأكد معنى الوطن وتجسد في وعي الناس إنحسرت الفتن وعمّ الأمن والسلام والعمل المشترك , الذي يحقق مصالح الناس ويؤازر دورهم البناء في تعزيز وتقوية إرادة الوطن.
والأمثلة كثيرة ومعاصرة , فعندما ضاع معنى الوطن العراقي تمكنت من الحياة الإضطرابات والفتن وتمزق المجتمع وتفرق وتخربت المدن وضاعت معالم البلاد.
وكذلك الذي حصل في ليبيا وسوريا واليمن , فحالما غاب الوطن برزت على الساحة الفتن المحتدمة في ميادين الوطن الذي قطّعت أوصاله وتخندقت في كينونات إتلافه وإنهائه.
هذه قوانين صارمة ومعادلات ثابتة لا تقبل الخطأ والتبرير , فالمصير صيرورة متوازنة دقيقة الضوابط والمعايير , وأي تفريط بمفرداتها يتسبب بتداعيات متراكمة ومدمرة.
ولهذا نجد الدول القوية تهتم بالمعاني الوطنية أولا ولا يمكنها أن تسمح لحزب أو تجمع أو فئة أن تعلو عليها , فالوطن وعناصره الأساسية خطوط حمراء لا يجرؤ أي حزب أو فرد أن يقترب منها , فحالما يتعلق الأمر بالوطن يكون الجميع في ميدان واحد وإرادة واحدة مهما تعمقت الإختلافات بينهم , لأن الوطن هو الوعاء الذي عليهم أن يصونوه لكي يتمكنوا من التفاعل فيه , وإذا تحطم الوعاء يفقدون قيمتهم ودورهم ويتحولون إلى بضاعة تباع وتشترى وفقا لمصالح الآخرين.
ومن الملاحظ أن بعض المجتمعات التي أضاعت وطنها بسلوكها ودساتيرها وتركيباتها الحكومية , وإعتمدت على الطائفية والمذهبية وغيرها من التوصيفات المعادية للوطن , دخلت في تداعيات تصارعية إستنزافية لا تنفع أيا من الأطراف المتحاصصة أو المتواصية بتقسيمات مذهبية وعرقية لا وجود لها في دساتير الدنيا الديمقراطية , لكن أبناءها إرتضوا ما وُضع لهم بالدستور الطامع بتدميرهم وشرذمتهم ومصادرة عناصر قوتهم ومنطلقات إقتدارهم.
فلا بد للمجتمعات التي تريد المعاصرة والتواصل العزيز أن تحترم أوطانها وتعلي راياتها ومعانيها وقيمها , وتهتم بحقوق المواطنين وترعاهم وأن يترفع قادتها عما هو دون الوطني والإنساني , وأن تُلغى مفردات التناحر والهوان كالمذهبية والطائفية والعنصرية والمناطقية والعشائرية والفئوية والتحزبية , ويكون الوطن هو المذهب والحزب والفئة.
أما إذا مضت العجلة على ذات السكة فلن تحصد المجتمعات إلا أسوأ مما تحصد!!
فهل من إرادة وطنية تقضي على نوازع الفتن والخراب؟!!
و”الفتنة أشد من القتل” كما تعلمون!!