23 ديسمبر، 2024 12:12 م

سواء ان كنا قد تعرفنا اليه في البيت ام لا، فان الدهشة التي أحاطت بنظراتنا الطفولية في اول (رفعة علم)، غرست في أذهاننا كلمة (وطن). كان حفظ النشيد الوطني ومازال واجبا وطنيا على كل طالب وطالبة، لايتحرر منه الا عندما يصل المرحلة الجامعية.

ولحظة ظهوره.. اقشعر بدن المغتربين وابناء البلد أمام موال سعدون جابر (اللي مضيع ذهب بسوك الذهب يلكاه,, بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلكاه).

كبرنا.. فارضعونا الوطن في قناني الحليب البلاستيكية.. وصار طعمه يتغير من (موطني) الى (وطن مد على الافق جناحا).. ونكهته تبرد عندما شاركنا فيه (جدنا سعد) ونزل (القعقاع) الى الساحة، ليتحول الى (الله، الريس، الوطن). وبشكل غير مفاجئ.. غادر الوطن يجرجر اذيال (دشداشته) الممزقة بعد ان يأس حتى من تسول الحب من ابنائه.

لكنهم يعشقون الوطن.. سال دم الكثيرين منهم على حدوده واطعم آخرون اجسادهم لأرضه النهمة حتى إن كان ذلك رغما عنهم. وسواء كانوا يحفظونه نشيدا ام يفهمونه درسا فهم يعرفونه خصوصا على ساحات الملاعب. كان أبناء كردستان يرفعون علم العراق الى جانب علم الاقليم، وابناء الطائفة المسيحية في عين كاوه يهتفون باسمه، المعتصمون في الرمادي، المتظاهرون في صلاح الدين والموصل، وابناء بغداد وكربلاء والبصرة.. الجميع يصرخ (عراق) لحظة تأهل (اسود الرافدين) للنهائي.. لحظتها تساءلت: إذن من الذي يطالب بالانفصال، ام ان العراق لا يصبح وطنا الا في مباريات كرة القدم؟

أثار انتباهي ما سمعته اليوم عن التحضير لانتخابات مجالس المحافظات من احد المرشحين، فقد انتقلت الدعاية الانتخابية والتحشيد الاعلامي للمرشحين من رجال الدين الى شيوخ العشائر، ليصبح مجلس المحافظة عشائري الطابع، والعشيرة القوية في المحافظة هي من تستطيع ان تزرع احد ابناءها ليكون لها (عزوة) وقوة.. لم يذكر احدهم اسم الوطن!

وفي فورة غضبه حول الانتخابات القادمة، استنكر أحد الزملاء (تمرير) قانون الرئاسات الثلاث وتحديد ولاية رئيس الوزراء بولايتين. أما سبب غضب هذا المثقف (الوطني) فهو ليس (نوم) العديد من القوانين التي تخص الشعب على مكاتب النواب، بل لأن رئيس الوزراء يعني فوز هذه الطائفة على (عناد) تلك الطائفة.. وايضا لم يذكر هذا الزميل (المثقف) اسم الوطن!

… في احد دول أوربا تشترط المدرسة على كل طفل ان يزرع نبتة امام داره ويعتني بها طيلة السنة، وتتولى لجان دورية من المدرسة متابعة نمو النبتة ومعاقبة اهل الطفل في حالة عدم التزامه. هذا لا يعني ان هذه الدولة تستغل الاطفال لتشجير المدينة او ان بلدياتهم عاجزة عن ذلك، بل ليزرعوا حب الارض في نفوس ابنائها. ومن زار دول اوربا او التقى بافراد من ابناء الغرب فسيلاحظ انهم نادرا مايذكرون اسم الوطن او يغنون له، لكنهم يعرفونه اكثر منا نحن الذين لانملك ان نقدم للوطن في لحظات الشوق سوى دموع تتلاشى مع أية فكرة او همّ يشغلنا.

…حيرني سؤال (عراقي) وهو يحدثني عن الاعلام المثلثة الشكل التي يضعها المسؤولين الامريكان على مكاتبهم في احد المسلسلات البوليسية، قال: لو أردت ان اضع علما على مكتبي فأي علم سأضع؟ العلم القديم الذي تعودته منذ طفولتي بنجماته الثلاث يعتبر بعثيا، والعلم بالنجمات و(الله اكبر) صداميا، والعلم الجديد ب (الله اكبر) فقط يعتبر شيعيا!

لنفتح المزاد ياسادة.. من منا يحب الوطن؟ وماهو الثمن الذي يجب ان يدفعه كل منا ليكتسب صفة (عراقي)؟ المذهب، الدين، الطائفة، القومية، الحزب، العشيرة، الجنسية الاجنبية، ترف الغربة، الولاء لمن يدفع، أم السكـــــوت؟

إذا كان السكوت من ذهب في زمن الكلام (المزنجر) والاغاني الوطنية و(الردح) الحماسي، فعلى من سيرسو المزاد؟

[email protected]