23 ديسمبر، 2024 9:12 ص

وطن ذو رأسين؟!!

وطن ذو رأسين؟!!

عجائبنا لا تنتهي , وتتمادى في إبداعاتها السلبية وتفاعلاتها القاسية , التي توحي بالإنقطاع المروّع عن المكان والزمان , والتحامل على الوطن والإنسان.

فطبيعتنا لا تحتمل إلا أن يكون الواحد منا فحل الفحول , فنترجم رؤيتنا القائلة ” وما إجتمعت بأذوادٍ فحول” , فالفحول يجب أن تتقاتل وتقضي على بعضها حتى ينفرد واحدها بنكاح جميع الأناث!!

وفي واقعنا الدامي تساهم الرؤوس الفحلوية بتدمير البلاد والعباد , والإمعان في المساهمة بالقفز إلى أتون الجحيمات المستعرة.

فنفوسنا بما فيها من ترسبات لا تستوعب ولا تتقبل أن يكون هناك , رئيس قبيلة سابق , أو رئيس عشيرة سابق , أو أي رئيس آخر سابق , كرئيس جمهورية أو رئيس وزراء , فلا بد أن يتحقق الصراع , ولا مناص من القتال وسفك الدماء.

في العراق قامت ثورة الرابع عشر من تموز وقادها ضابطان في الجيش , وما تمكنا من تحقيق التفاعل الوطني المشترك , فحصل الذي حصل وقتل أحدهما زميله , ومات الآخر في حادث سقوط طائرة , وعانت البلاد الويلات الدامية بسبب هذا التفاعل السلبي بينهما ومضت على نهجهما.

وفي اليمن بعد توحدها صار فيها رئيس سابق لكن العقلية اليمنية لم تستوعب هذا التواجد وتحقق الإقصاء والنفي , واليوم فيها رئيس سابق لكنه ربما يساهم في إذكاء جذوة الصراعات ودفع البلاد والعباد إلى الهاوية , وكان من المفروض أن يكون أبا روحيا للشعب والوطن , بما يحمله من مسيرة منجزات وقدرات قيادية وسياسية , لكن الروح القبلية تتغلب ويُحسب لقب سابق على أنه نوع من الشتيمة والعار.

وفي بلد آخرهناك رئيس وزراء سابق , ويبدو أنه لا يزال يتفاعل وكأنه كما كان أو ربما أكثر ,لأن روحية نكران الذات غير متوفرة في مجتمعاتنا , وأكثرنا يميل للتبعية والطاعة العاطفية العمياء والإمعان في تضخيم الأنا المهوسة فيه.

وكلها سلوكيات متخلفة ممعنة بالقبلية الحمقاء والعشائرية الصفراء , فيغيب الوطن ويحترق الإنسان في نيران التلاحي والضلال والبهتان.

بينما المجتمعات المتقدمة علينا حضاريا , فيها العديد من الرؤساء السابقين , ونحن لا نتحمل ذلك ونسعى إلى محق ما هو سابق , لكي نتوهم بأننا نحكم أو نقود أو نستأثر بالسلطة , ونسخرها لأغراض شخصية وفئوية وتحزبية, فنقضي على الوطن والمواطنة والوطنية.

في دول أوربا هناك عدد من رؤساء الوزراء السابقين , وفي فرنسا وأمريكا عدد من رؤساء الجمهورية السابقين , ومعظمهم يسخرون خبراتهم وتوصيفاتهم للمساهمات الإنسانية والوطنية , التي تعزز الرحمة والمحبة والتسامح , وتقوي الإعتصام بالوحدة الوطنية والإنسانية.

وهذه المجتمعات تبدو أقوى وتتباهى برؤسائها السابقين الذين تجمعهم محبة الوطن وعقيدتهم الوطنية ورسالتهم الإنسانية.

وكل سابق عندنا عليه أن يُمحق ويُطمر ويُلغى , لكي يتمتع اللاحق بالتعبير عمّا تمليه عليه أمارة السوء التي فيه.

وتلك عجيبة من عجائبنا الخلاقة , فمن يحمينا من أنفسنا؟!!