أوردنا مجموعة أصول و مُؤشرات كوصايا لأبنائنا و أخواننا ألمُثقفين الكبار ألّذين يحملون همَّ خلاص العالم من آلجهل والفقر والظلم والحرب, بتطبيق العدالة و فلسفة القيم, لكونهم مُتّقين و وحدهم يعرفون أسرار المحبة والوجود, فيسعون بإخلاص لبناء منظمومة فكريّة وأخلاقية مُتكاملة مُنبثقة من (الفلسفة الكونيّة) كأساس لتنظيم القوانين على مختلف الأصعدة الأجتماعيّة و الحقوقيّة والتربويّة والتعليميّة والعسكريّة و التكنولوجيّة وما إلى ذلك من شؤون لتحصين المجتمع!
وفي هذه الحلقة سنُورد نقاطاً أساسيّة كمحاور لتثبيت البنى التحتية لمنظومة القوانين المفقودة في بلادنا والعالم, وإن كان البعض و بسبب النظرة التجزيئيّة وإنبهاره الشكليّ بآلعمران يعتبر ألأنظمة الوضعيّة كالرأسماليّة و الأشتراكية بآلخطأ؛ أنظمة ذات بناء وكيان ومؤسسات قانونية تعتمد العقل للرّقي والتقدم, لذلك فهي الأرقى و الأفضل, ويجب قبولها بحسب رأي صموئيل هنتغون(1) وفوكاياما رائد العولمة الحديثة(2) الذي يعتقد بإنتصارها؛ ونقدي ورفضي لهذا الأعتقاد, لسببين:
ألأوّل: إنّها تُنظّر في مجمل أطروحاتها وقوانينها لمصحلة طبقة محدودة و معدودة بآلدّرجة الأساس تُسيطر على 95% من المال والثروات والباقي من الفتات لبقية ألشعب, مُعمّقيين بذلك آلظلم وآلفوارق الطبقية ومُفعّليين في نفس الوقت العوامل و القوى المؤثرة الأخرى في الحياة والوجود بعكس إتجاه الهدف الكونيّ الذي يريد إحياء الناس بآلتساوي, لملأ الوجود بآلمحبّة والسلام, بعكس ما يريده الآخر من دحر العالم و تسخير الأمم بآلقوة العسكريّة و الهيمنة الأقتصاديّة, و مصاديقها في كل أرض و مصر.
الثاني: إنّها ترفض كلّ نظرية و فلسفة أخرى حتى لمجرد آلحوار, وهذا الرّفض أدّى لحروبٍ ما دامت أوراها مستعرة في شعوب العالم بما فيها الشعوب المحكومة بالنظام الدّيمقراطيّ الرّأسماليّ, رافضة الحريّة والسّلام, وحوار الحضارات لأيمانها بآلقوة وآلحرب والصدام.
والسبب في هذا الأتجاه الرأسماليّ الخطير كواقع مفروض يصعب مواجهته؛ هو فقدان المُثقفين الكبار للنظريّة الكونيّة لمواجهتها!
حيث لم نشهد قبل فلسفتنا الكونيّة؛ أيّ طرح كونيّ شامل ومُتكامل كنموذج لردع تلك الهجمة الهمجيّة المدعومة بأسلحة مُدمّرة(3) و تكنولوجيا الذرة لا لعلاج الأمراض و إن إستخدمت بشكل محدود؛ ولا لسعادة الأنسان إلا لمجموعة خاصّة؛ بل لتحصين و تنفيذ مقدّمات البقاء و الدّوام لأصحاب (المنظمة الأقتصادية), لذا فأنّ ألإطروحة ألمادية – ألأخلاقيّة – ألأجتماعية الكونيّة التي نحن بصددها كفيلة لإثبات فشل الغرب و تقديم البديل الأمثل لإسعاد الأنسان, ودرأ آلعنف والأرهاب و المشاكل الروحيّة و الأجتماعيّة والسياسيّة و الاقتصاديّة على صعيد الفرد والعائلة و المجتمع كنتاج سيئ للنظام الغربيّ ألذي كريس الشقاء بدل السعادة.
حين تمعّنا و درسنا مفاصل و جذور هذه القضايا المصيرية بآلأضافة إلى العوارض و الممانعات و القوى العالميّة المُتداخلة على كلّ صعيد, رأينا منذ بدء (عصر ما بعد المعلومات)(4) بقيادة (فوكوياما) الوريث الأكبر لآدم سمث في الجانب الأقتصادي؛ بأنّ مؤشرات خطيرة توحي بآلأنحدار الأخلاقيّ وفناء ألأسس التي تجعل الأنسان المخلوق بكونه إنسان و ليس دون الحيوان, يعني هناك عمليّة مسخ رسميّة وقانونية جارية تهدف إلى تمييع البشر, و ستُغيير كلّ شيئ بحيث تتطابق الأوضاع شيئا فشيئا مع حديث الرسول(ص) الذي أشار إلى وقوع المسخ في زمن قادم, بحيث يتعدّى كون (المعروف منكراً و المنكر معروفاً) إلى (الأمر بآلمنكر و النّهي عن المعروف).
لذلك رأينا بأنّ أسس (الفلسفة الكونيّة) لا بُدّ وأنْ تُفَعّل لتأخذ مداها في عقول المُثقفين لكونهم هم ألأمل على قلّتهم وهم لا يتجاوزون عدد الأصابع في كلّ بلد وأمة لنشرها, كونهم العمود الفقري الوحيد القادر على زرع هذا النهج في عقول آلكُتّاب و آلمُثقّفين وآلشعراء وآلأدباء وآلمؤلفين, وقمنا لأجل هذا نشر ما كان مُمكناً خلال المواقع والمنتديات الفكريّة والثقافيّة المُخلتفة في بلدان وعواصم العالم ومدنها وفي بغداد وآلمحافظات كتمهيد للأجيال القادمة, والحمد لله تزداد المنتديات مع الوقت, ونأمل لها النجاح لأداء رسالتها الكونيّة.
في هذا القسم سنشير إلى آلنقاط ألمحوريّة كتكملة للحلقة الأولى(5), وهي عبارة عن أهم الوصايا العمليّة المُمكنة لدعم وتعبئة (المثقف الكبير) المُؤهّل بأفكاره لتوعية الأعلاميين والمثقفين ليكونوا منتجين للفكر والثقافة بإذن الله لتنوير الناس, ومن هذه الوصايا الذهبية:
أوّلاً: إعتماد أسس الفلسفة الكونيّة(6) كنظام كامل و شامل و هيكل جامع لزبدة الأفكار و النتاجات الفكريّة و على جميع الأصعدة, بعد ما فشلت جميع الرّوايات و القصص الطويلة والقصيرة والمتوسطة والدواويين الشعريّة والحكميّة رغم كثرتها في تثقيف الناس و نجاتهم, لفقدانها إلى الأصالة الفكريّة ناهيك عن أصل الأصول في طرحها و تبنيها للفلسفة الكونية, وهذه إشكالية كبيرة ما زال معظم – إن لم نقل كل الكُتّاب – يعانونها بإجترارهم للمكررات في أدبياتهم ومؤلّفاتهم وقصصهم وشعرهم وحتى الفن التشكيلي وماهيّة الجّمال و منبعه.
ثانياً: تجنب خلط الأفكار والرؤى مع بعضها البعض في كيان هجين من دون معرفة القواعد التي بفقدها تفقد المقالة و المؤلف معها الصورة والهدف الأساسي الذي كثيراً ما ينساها الكاتب بسبب الخلط الغير المنسجم و الشرود و التشتت الذهني, و هذه مشكلة قّلما تجد مؤلفاً قديراً أو أدبيا ناجحاً ينجو منها بسهولة, فآلكاتب نفسه في أحيان كثيرة وفي كلّ فصل و باب, يفتقد خيوط التواصل مع أصل الفكرة لعرضها بسهولة و وضوح و سلاسة للقارئ, لأنّ الموضوعات المطروحة نفسها قد تكون محلّ إشكال, لفقدانها الهدفيّة و القواعد الفنية و الغاية و الفلسفة من كتابة موضوعه أو روايته أو قصيدته أساساً, ممّا يجعل القارئ مشوشاً و مشرّد الذهن لا يدري البداية من النهاية أو الوسط, كلّ هذا لأنه يعرض موضوعات مكرّرة منقولة أصبحت بمثابة محفوظات مدرسية, و لعلّ هذا الاشكال هو السبب في ضياع جوانب كثيرة من أدب وأخلاق و ثبات الشعوب و الأمة على نهج إنساني متين لمقاومة الغزو الفكري الأستكباريّ الذي أخذ اليوم مأخذه من حياة الناس و قوتهم, فاقدين بذلك هويتهم الأنسانيّة, و إلاّ كيف يُمكن أنْ يُصدّق بوجود مثقفٍ كبير أو مفكر و فيلسوف يعاني آلجوع والحصار والمآسي وفي أغنى دولة في العالم مثل العراق؟
ثالثاً: النزاهة و الأنصاف: كيف يُمكن للمثقّف الكبير أن يكونَ مُنتجا ومُؤثّرا ًوفاعلاً يستنهض وجدان الأمّة, و هو فاقدٌ للنزاهة ولا يعرف حدود الحقوق وآلدّيات و فلسفة العدالة!؟ هذا سؤآلٌ هامّ طالما حذّرتُ ألمعنيين منه في محاضراتي و كتاباتي, لأنّ آلمقالات المكررة ألمنقولة والكُتب التراكميّة خسارة فادحة لكل الأطراف و من كل الجوانب, و كان هذا دأبي منذ شبابي و أنا دون العشرين كمُنَظّر ومُؤسّس وأمين عام لـ (حركة الثورة الأسلاميّة) التي تأسست 1975م, فطالما كنت أؤأكد لأخواني ألذين إستشهد أكثرهم بوجوب الأبداع إلى جانب النزاهة و آلصّدق في التعامل مع النفس أولاً, ثمّ مع الآخرين لأنّها تُؤثر على نمو العلاقات التي ستترتب عليها مقدار نجاحك لتحقيق أهدافك الكونية العليا في المجتمع.
رابعاً: أيضا (النزاهة والأمانة) مع (المحبة), فقد شاهدت بأنّ الجّميع لا أستثني أحداً بجانب قراآتي لما يُنشر؛ عدم وجود حتى مجرد ذكر أو إشارة لكاتب حيّ – أكرّر كاتبٌ حي – يعيش كمواطن أو في بلاد أخرى, عندما يُستفاد من حِكَمِةِ أو من آلمبادئ الفلسفية ألكونية, بل بجانب هذا يُحاول ألكُتّاب دمج تلك النصوص في موضوعه بكلّ أنانيّة ومكر والتلاعب بآلكلمات وتقديم وتأخير الجُّمل و العناوين ليوحي من خلالها بأنّه هو كاتبها ورائدها, من دون الأشارة للأصل أو لكاتبه الحقيقي, وهذه الأنانية المفرطة الخطيرة بسبب موت الوجدان ولّدت إشكالات كثيرة سبّبت الفساد و الأنحراف والظلم, خصوصاً من قبل السّياسيين الذين كثيراً ما يفعلون ذلك وهم لا يُدركون حتى معاني ما يعلنونهُ للناس و لهذا يفسدون لإنيّتهم وعدم دركهم للحقيقة, وسنشير للأسباب لاحقاً(7).
خامساً: التنسيق مع الكُـتّاب الآخرين, و الأنفتاح على بعضهم البعض لمعالجة الأمور و تلاقح الأفكار من خلال المنتديات الفكرية بما يخدم عملية البناء الفكري في المجتمع, فآلملاحظ عدم وجود أدنى مستوى من هذا التعارف و التجمعات الهادفة .. ناهيك عن التلاقح الفكريّ و تزاوج الأفكار لأنتاج الأفضل و الأكمل في عملية أنجاح الثورة الفكريّة للقضاء على الثقافة الحالية السائدة التي زرع أساسها الكثير من الكُتّاب الفاقدين إلى الفلسفة الكونية, رغم شيوع أسمائهم بل و حصول بعضهم على جوائز عالمية كجائزة نوبل.
في الحلقة القادمة سنشير إلى موضوع هام, بضمنه قضية التحايل على الفكر, و شكراً على متابعاتكم.
الفيلسوف الكونيّ
حكمة كونيّة:
[الفاقد للأصل, أيّ (ألفلسفةُ الكونيّةُ) كَمَنْ يسبح في بحر لجيّ يجهل شواطئه و الهدف الذي يُقاوم ألأمواج لأجله].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع: صموئيل هنتنجتون و نظريّة “صدام الحضارات”.
(2) بعد حذف نظريات (آبرهام ماسلو) و أقرانه الفلاسفة من مناهج الطلبة في الغرب, لمخالفتها من أوجه مختلفة لأهداف طبقة المنظمة الأقتصادية, حلّت محلها نظريات (فوكوياما) و أقرانه الذين يرون إن الرأسمالية بطريق العولمة ستحقق النصر على الجميع, وهذا مؤشر خطير ينفي نظريات العلماء والفلاسفة ونظرية آينشتاين في الكوانتوم والأجتماع, لمعرفة مُقدمة هذا الموضوع: راجع:
http://iraqi.dk/news/esknde/2018-10-04-19-31-32
(3) تستخدم(المنظمة الأقتصادية) خمسة أسلحة لسيطرتها على العالم؛ منها؛ الأحلاف العسكرية؛ البنوك العالمية؛ شركات الأعلام الكبرى؛ منابع الطاقة؛ ألتحكم بالعملات والشركات الكبرى, للتفاصيل, راجع؛ مستقبلنا بين الدِّين و آلدِّيمقراطية, مجموعة دراسات.
عصر ما بعد آلمعلومات, وهي عبارة عن سبعة حلقات مكثفة تكشف حقيقة الوضع في الغرب من )Post Factual Era(4) (
الداخل مع بدء الألفية الثالثة مع إشارات لواقع الشرق المعروف للجّميع, ولا بد لكل (مثقف كبير) مراجعتها ليقف على الحقيقة التي أرِيدَ لها أن تكون حلقة بأيديهم لمنفعة طبقة صغيرة لا تتجاوز ألـ355 غنيّ يترأسهم ثلاثة من أغنى إغنيائهم و فوقهم الغني الأغنى.
(5) https://www.sotaliraq.com/2019/02/15/%D9%88%D8%B5%D8%A7%D9%8A%D8%A7-(5) %D9%84%D9%84%D9%85%D9%8F%D8%AB%D9%82%D9%91%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%84%D9%83%D8%A8%D8%A7%D8%B1/
(6) راجع سلسلة؛ (فلسفة الفلسفة الكونية) لمعرفة الأساسات الفلسفية لهذه النظرية التي تُعتبر ختام الفلسفة في الوجود و هي المرحلة السابعة, و كذلك (محنة الفكر الأنسانيّ), مكونة من 20 حلقة.
(7) قبل سنوات كنت أتحدث مع مسؤول أحد المواقع الأعلاميّة, و بآلمناسبة باتت عديدة وبآلآلاف, و هو مسؤول موقع(ألمُثقّف), وكان مُحاوري يدّعي بأنهُ مُثقّف و مؤلف, كتب مجموعة كُتب, “تكرارية” طبعاً و نصوصها المحورية “مترجمة” بإسمه من بعض المصادر الأجنبية و منها (الفارسية) لمعرفتي التّامة باللغة الفارسية وثقافتها؛ وتبيّن لي بأنّ هذا “آلمُثقف”, لا يعرف حتى أنواع مناهج العلوم و طرق البحث العلمي! معتقداً بعدم وجود مناهج في العلم و كل كاتب له منهج خاص! قلتُ لهُ؛ لو كنتَ حقاً تعرف تأريخ الفكر و مبادئ وغاية الفلسفة والتأليف لما كنت تقول هذا!؟ لكنه بَدَلَ أن يشكرنيّ على إرشادي له, عاداني, لكوني نشرت ذلك الحوار.
و الغريب أنهُ للآن يشرف على ذلك الموقع ويدّعي الثقافة وتأليف الكُتب, بل البعض سمّاه بـ (المفكر), ولا يتوقف المحنة الفكريّة العراقية – العربية خصوصاً و العالمية عموماً إلى هنا؛ بل شهدتُ نماذج أكثر غرابةً وخسّة, منهم رئيس (شبكة الأعلام العراقيّ) الرّسميّة المدعو عبد الجبار, الذي للآن لا يُفرّق بين ماهيّة النظام الأسلاميّ و النظام الدّيمقراطيّ والحلال والحرام, مُدّعياً بأنّ هدف الدّيمقراطيّة والأسلام واحد ولا فرق بينهما, وإدّعى فوق ذلك بخلط عجيب؛ أنهُ يُمثّل ألتيار الأسلامي الدّيمقراطيّ, بينما محمد أركون الذي إعتمد مقولاته الكثيرة قد كتب في هذا المضمار عشرات الكتب قبله بعشرات السنين, بغض النظر عن موقفنا منه, و لم نشهد له واقعاً, و لذلك لا نتيجة طيّبة و مثمرة لإعلامنا العربي المرئيّ و المسموع و المُقروء و الكتابات و المؤلفات والمقالات و حتى الرسائل الجامعيّة التي وصلت لمئات الآلاف وفي مخلتف المجالات .. لفقدانها الأصالة وألمبادئ الفلسفية الكونيّة, ولذلك كان الفساد والنهب و فقدان القيم في بلادنا بدل البناء و الأعمار و العدالة؛ نتيجة طبيعية وعادلة! وآلوجه الآخر للفساد؛ هو أن هؤلاء و بعد فسادهم و نهبهم للحقوق يتقاعدون ويتفرّغون لتأليف الكُتب بآلأموال التي سرقوها, بل بعضهم و بلا حياء إدعى بأنه كتب مائة و مائتين و ربما ألف كتاب, لكنه لا يملك الأموال لطبعها, كإعلان مبطن و كاذب بعدم نهبه وأخذه للرواتب المليونية الحرام, هذا ناهيك عن مضمونها!؟
ولو ضربت أخماس تلك الكتب بأسداسها و عشراتها بمئاتها؛ لما حصلت فيها على مسألة محورية جديدة واحدة, سوى المكررات.