كانت غرفة صغيرة في الطابق الثاني من القبو الفسيح ، تلك الغرفة جزء من بيت صغير متواضع جدا ، كان ستار موزان يسميه ( وشع العنكبوت ) ، نعم هو كذلك ، انه بيت من طوب و طين بغرفتين صغيرتين ، و مطبخ كل ما فيه اسمنتي حتى النخاع ، المغسلة ، مجلى الاواني ، الرفوف ، و حتى الكاونتر كان اسمنتي ايضا ، 0
الماء كان يصل ذلك الوشع اسبوعيا ، يخزنه ستار موزان في براميل معدة لذلك ، احدهما مصنوع من الالمنيوم و هذا مخصص لماء الشرب ، و الآخر مصنوع من الحديد و ذلك مخصص لغسل الاواني و الاستحمام ، كان ذلك البيت في قلب عمان ، في شارع اسمه ( الخرفان ) ، طبعا الخرفان اسم عشيرة في الاردن و ليس خرفان الصحاري و رمز البادية العربية ، شارع الخرفان هذا عبارة عن سفح جبل يطل على مركز العاصمة الاردنية ، و العجيب ان ذلك الوشع له باب من السطح لا باب له من المدخل كباقي البيوت ، تخيل حين تدخل بيتا من السطح ثم تنزل طوابقه من الاعلى الى الاسفل ، 0
هذا البيت كان بمثابة اتحاداً للادباء و الفنانين العراقيين في الاردن ، كنت انا احد رواده الدائمين ، و من المؤسسين له و المحافظين على بقاءه بعد رحيل ستار موزان الى النرويج ، 0 رغم اني كنت اعيش في محافظة الكرك ، ، تلك المحافظة التي تبعد حوالي ( 180 كلم ) جنوب عمان ، كنت اعيش قرب مزار الصحابي ( جعفر الطيار بن ابي طالب ) ، لكني كنت اواصل تواجدي عند شلة وشع العنكبوت مرتين او ثلاث في الاسبوع ، تلك الشلة كانت مكونة من ( الملحن سرور ماجد ، و الفنان غازي الكناني و الشاعر مكي الربيعي و الروائي عبد الستار ناصر و الشاعر سعد جاسم و الشاعر حسن النواب و الشاعر عباس الحسيني و المسرحي عباس الحربي ، و الكاتب عباس الازرقي و كمال العبدلي و القاص محمد سعدون السباهي و الشاعر الشعبي رحيم العماري ) ، ومن الزوار مثلا الروائي الكبير حمزة الحسن والشاعر عدنان الصائغ الشاعر اديب كمال الدين و الكاتب المجنون ” خضير ميري ” الذي زارنا هناك و استقبلناه بكل طيبة و نقاء وقدمنا له كل ما قدرنا الله عليه من اصول الضيافة ، و حين عاد الى بغداد كتب مقالا تحت عنوان < تحديات > في مجلة الزمن العدييه – مجلة عدي الاولى = العدد/ 91 / الاحد 10/شباط / 2002م = – ، كان ذلك المقال اشد وقعاً علينا من ظلم النظام نفسه ، شتمنا فيه و و نعتنا بادباء الساحة الهاشمية وقال عنا الكثير،، و العجيب ان زادنا و خمرنا لن تهضمه معدته بعد !0
كنا نجلس كل ليلة على تلك الطاولة الخشبية التي اشتراها ستار موزان من ” سوق العتيق ” في سقف السيل ، هذا السوق الذي يشبه تحت التكية او سوق الميدان او الباب الشرقي في بغداد ، و نرتشف عرقا اردنيا او عرقا عراقيا وصل عن طريق سواقي الخط بين بغداد و عمان ، ، في منتصف النشوة ، يعزف سرور ما لديه من جديد و نرقص جميعا ، للشعر وقت اطول ايضا ، قصيدة ستار موزان ” وجع الجدار ” يلقيها بطريقة عجيبة على المائدة الخشبية , و ” ايها الالم لماذا اتيت الي ” هذه القصيدة يلقيها حسن النواب معاتبا آلامه و هكذا حتى ينهي الجلسة صوت اذان الفجر ، 0
كان ستار موزان اول النائمين حين يدب دبيبها و تكاد ان تصل الى موقع الاسرار، فلن يقل لها قفي بل يواصل نشوته في جنح الاحلام ، و ينام ايضا على اي ارض تصلح للنوم ،، الاخ سرور ماجد كان ينام معنا رغم ان بيته على بعد ” رمية عصا من المكان ” ، اما الشاعر سعد جاسم فكان ينام نصف ليله ثم يستيقظ ليقول ( أشتقت الى الله و العرق و اطفالي ) و يغادر في ساعات الليل الاخيرة الى بيته و بقية الشلة ، ينشغلون حتما بمشاجرة الاختلاف الفكري التي تصل حد الايدي احيانا ثم تنتهي بالعناق و ( البوسات ) و البكاء على اوتار السكر مفتاح العذر ، ، ، 0
طبيعيا ان يكون ذلك ،،، طبيعيا جدا على امل ان نلتقي يوما تحت سماء صافية ، في عراقنا الحبيب ، دون مفرزة امن ، او استخبارات ، او تقرير عابر ، او سيارة تحت رقم خاص ، او لوحة تحمل اسم المحافظة الاولى تكريت ، او مرافق للسيدة الاولى ساجدة خير الله ، او حماية لاحد مطربي عدي ، او ” بدي كارد” لطبال في اذاعة السشباب ، ، 0
على فكرة : هناك قصة قصيرة اود ان اسردها لكم الان ـ كفاصل قصي بين حدثين ـ كنت اسوق سيارتي متجها الى بغداد من كربلاء ،، في الدورة ساقني حظي العاثر كي اصدم سيارة فخمة امامي ، صدمتها برفق ، كانت النتيجة ان ” الضوء الخلفي للسيارة الفخمة التي هي امامي قد حدث فيه شرخ بسيط ” نزل السائق ، نظر الى الضوء ، نادى مفوض المرور بكل امر ووقاحة ، قال له :
( هذه سيارة الاستاذ) ارتعش المفوض كذلك ارتعشت انا ، قال المفوض : ما المطلوب الان ؟ قال السائق يرافقني الاخ الى مكتب الاستاذ ، قرات سورة ” يس ” ثم تبعته بعد ان سجل مفوض المرور رقم سيارتي و اجازة السوق و هويتي الشخصية ، تبعته من الدورة حتى وصلنا المنصور ، دخل فيلا كبيرة هناك ، كانت الفيلا عبارة عن مكتب للاستاذ ، جلست مرتجفا على اريكة امام سكرتيرة فاتنة الجمال ، ارتعش طبعا ، قالت السكرتيرة كي تهدئ من روعي : لا تخف ! كن مطمئناً ، لان الاستاذ “حاتم ” سيسامحك حتما لانه طيب ، قلت : ماذا تقولين ؟ الاستاذ من ؟؟ قالت : الاستاذ حاتم ، قلت : اي حاتم ؟؟؟ قالت هذا مكتب الاستاذ حاتم العراقي ، وقفت مسعورا مستثارا مستفزا ناقما قلت : لمن تلك السيارة التي صدمت ؟؟؟ اجابت السكرتيرة بارتباك : سيارة الاستاذ ، قلت اي استاذ ؟ قالت : الاستاذ حاتم العراقي ، ، خلعت حزامي لاضرب السائق الكلب هذا ، لكني استعذت بالرحمن و حافظت على هدوء اعصابي ، وصل الاستاذ ، وراءه و امامه ثلاثة من الشباب ذوي العضلات المفتولة “بدي كارد ” ، قال :خيراً ؟ شرحت له الموقف ، ابتسم ثم ضحك ثم التفت علي قائلا : ( روح بابا روح بسيطة ” مو اليسوه و المايسوه صار يسوق سيارة بالشارع بفضل القائد الله يحفضه ) كدت اقول له اني اسوق سيارة في الشارع قبل ان يكون هذا الصعلوك قائد ، لكني استجمعت شجاعتي و قوتي كي اتحمل جرحي و اخرج من مكتب الاستاذ سالما 000
حين سقط تمثال القائد على الارض بقوة الحبال ، كنت لا ازال في عمان ، و كانت الفيزا الاسترالية في جيبي و حقيبة سفري معدة ، قلت لزوجتي : سالغي سفرنا لنعود الى ارض الوطن ، و هناك ساشتري بيتا و ساجعله مكانا بديلا لوشع العنكبوت هناك ، و سنواصل صعلكتنا و ذكرياتنا و افراحنا و على ارضنا ، قالت زوجتى سيكون هذا ممكنا حين يستقر الوضع هناك و يكون الحب و الوفاق ،! لنسافر و ننتظر من هناك عراقا جميلا مسالما تهب على سماءه نسمات الحرية و الديموقراطية ، لا طائفية ، لا أفضليات ، لا تسلط ، لا دماء ، كل منا يحب لاخيه ما يحب لنفسه ، و حين تجد شلة اخرى تحب بعضها مثل شلة وشع العنكبوت ، 0
قلت : معك حق ، 00!
www.almhana.4t.com