الوساطة والمحسوبيات التي نعاني منها جميعاً في المجتمع العراقي في الآونة الأخيرة، كثيراً ما تلقي بظلالها على الآخرين وتنال من حقوقهم.
تختلط لدينا أحياناً مفهوم الوساطة ومفهوم إبداء المساعدة. فالوساطة هي إيصال أحدهم إلى موضوع ما على حساب من يستحق هذا الحق من الآخرين المغلوبين على أمرهم. أمّا إبداء المساعدة فهو تذليل العقبات ومساندة صاحب الحق في الحصول على حقه المشروع.
حدث معي يوماً أن كنت ضحية شخص قد توسط لدى أحد المسئولين المتنفذين. في العام 2006 حيث الأزمة الخانقة للمحروقات في مدينة كركوك. خرجت من البيت باكراً والساعة تشير إلى الرابعة صباحاً من يوم شتائي قارض لأقف بسيارة أبي في الطابور العريض والطويل في محطة البنزين في منطقة تعليم تبة بكركوك.
الانتظار كان طويلاً حيث استغرق سبعة ساعات بالتمام والكمال، بعدها وعند تمام الساعة الواحدة ظهراً تمكنت من الإمساك بمقبض خرطوم ضخ البنزين إلى السيارة. كنت متعباً من الانتظار لكن هول المكابدة قد تبددت بمجرد أن أمسكت مقبض البنزين بيدي.
تغيرت هموم الانتظار ومأساة مشهد الناس الذين أشاهدهم وهم يفترشون الأرض في البرد الشديد هذا ومنذ ساعات الليل للحصول على 40 لتراً من البنزين بكوبونات خاصة وفي سط مدينة النفط كركوك. حيث أصبحت فرحاً أحس بإنتصار كبير وأنا تمكنت أخيراً من الولوج إلى باحة محطة البنزين هذا بل والإمساك بمقبض المضخة.
وأنا على وشك وضع خرطوم في فتحة بنزين السيارة، استوقفني شخص أعرفه عن قرب كان قد توسط لدى أحدهم وتم إدخاله إلى المحطة من باب الخروج متجاوزين على المئات من الذين ينتظرون أدوارهم في التزود بالبنزين. الرجل طلب مني خرطوم البنزين ليتزود قبلي وقد ترجى مني ذلك. الحقيقة لم أتردد في إعطائه دوري لسببين. أوله إنني قد بلغت الخرطوم وتأخري لدقائق لا يعني شيئاً، فأنا منتظر هنا منذ سبع ساعات. والسبب الثاني هو معرفتي الشخصية بهذا الشخص وعدم تمكني من رد طلبه البسيط هذا.
أخذ مني خرطوم البنزين وقام بتعبئة سيارته، وما أن انتهى من ذلك حتى ناولني الخرطوم من جديد وشكرني على ذلك. انطلق الرجل بسيارته فرحاً، وكيف لا يفرح وقد حصل بدقائق معدودة على ما يصبوا الآخرين الحصول عليه منذ ساعات وساعات.
تم تصفير عداد المضخة، وقد هممت لوضع الخرطوم في فتحة بنزين السيارة، ضغطت على المقبض لكنه لا يضخ البنزين. حاولت مراراً وتكراراً لكن محاولاتي دون جدوى. ناديت عامل المحطة وأخبرته بالأمر فحاول هو الآخر ومن ثم صاح بصوته مسمعاً الجميع:
– إخوان البنزين خلص..
بدأت الفوضى تعم المكان بين من يصيح معترضاً وبين من يتذمر خافتاً. انتهى البنزين ولا داعي للوقوف هنا بعد الساعة. ركبت سيارة والدي خرجت من بين زحام المحطة بعد انتظار دام أكثر من سبعة ساعات وقد أحرقت ما كان في خزان السيارة من وقود قليل لأعود إلى أبي بخفي حنين.
وكلما سمعت عن الوساطات والمحسوبيات فكرت بعدد الذين سيكون تمشية أمور هؤلاء على حسابهم وصعوداً على أكتافهم كما كان تفويلة هذا الشخص على حسابي.