شاهدتُ قبل أيام منظرًا أدهشني وأرعبني!! وللأسف ربما قد أصبح مثل هذا المنظر ظاهرة وسلوكًا في مجتمعنا مع الأسف الشديد، كنتُ مارًا “بالسيارة” في أسواق إحدى المدن والسائق يخفف من سرعته عادة بمثل هذه الأماكن المزدحمة فيتمكن الراكب من سماع ومشاهدة ما يحدث في الخارج بوضوح.
شاهدتُ مجموعة من الشبان بأشكال ومظاهر غريبة وملفتة للنظر حيث كانت شعورهم منثورة وبقصّات وألوان مختلفة بعضها أشقر وآخر أحمر وحتى الأخضر!! أما ملابسهم فكانت أشد غرابة من شعورهم ويبدو أنها صنعت لمثل هذا الصنف فحقيقة لم أميّزها هل هي[رجالية أم نسائية]، إلى هنا يبدو الأمر طبيعيًا ومألوفًا جدًا في مجتمعنا.
لكن الغريب أن هولاء الشبان كانوا يرفعون أصواتهم وبشكل جماعي [أهزوجة جماعية] وماذا كانت أهزوجتهم (عبارة فيها سب للذات الإلهية المقدّسة أجارنا وأجاركم الله من نقمته وعذابه) كانوا يرددونها بأعلى أصواتهم مصحوبة بالتصفيق والزغاريد وهم مستمتعين بذلك كالمطمأن بأنه يفعل الصواب وأنا أنقل هذه الحادثة لأنها واقع مألم والتستر على هذا الفعل أقبح من الفعل نفسه بل إن الساكت والراضي ومن لم يحاول أن يُغيّر وينهى ويأمر فهو مشترك في الفعل ويستحق نفس العقاب وهذا معروف.
حقيقة لا أدري بأيهما أنا أشدّ دهشة وحيرة بمظهر هذا الشباب الطائش أم بردّة فعل العشرات من المتفرجين” المسلمين”والذين كانوا ينظرون ويشاهدون هذا المنظر المخزي ثم يواصلون أعمالهم وطريقهم بكل سلاسة وكأن شيئا لم يحدث!!
هذا المشهد القصير يختصر لنا قصّة مؤلمة لواقع مجتمعنا المعاصر وربما شاهد أغلبكم عشرات المواقف مثل هذه الظاهرة التي أصحبت معتادة وطبيعة في مجتمعنا!!
إذًا هذا يعني أننا قد خرجنا من طور الصدفة الى طور الظاهرة المستفحِلة وليس بعد الظاهرة إلا السلوك العام والطبع والعادة المتجذّرة وهذا ما نخشاه أن تتحول الظاهرة الى سلوك طبعي عام يعتاد عليه المجتمع ويعكف عليه جيلًا بعد جيل!!
بنظرة واحدة للدوافع التي أفضت إلى هذه الظاهرة ستجد السبب الرئيس في ذلك هو إن الشاب اليوم أصبح يتلقى ثقافته وتربيته وأخلاقه من غير المنابع المعروفة في مجتمعنا أعرافنا وتقاليدنا وتعاليم ديننا، بل بات يستقي ثقافته من المنابع الغربية المادية الملحدة عبر وسائلها المبثوثة والمتوفرة في كل مكان والمتاحة أمام الجميع!!
فالشاب اليوم إنما يتحكم بسلوكه العام ويقوّم ثقافته وتصرفاته[ الفيس بوك والإنستغرام واليوتيوب وغيرها من مواقع التواصل] بالإضافة الى وسائل الإنحراف الأخرى [المواقع الإباحية وبرامج المحادثات وغيرها من أذرع المادية الغربية] وبالحقيقة كل هذه المظاهر هي أذرع ووسائل للأنظمة والمذاهب الغربية عملت على تأصيلها في مجتمعتها أولا ثم عمدت على تصديرها إلى مجتمعاتنا!!
قبل أعوام لم يكن مجتمعنا يعرف مثل هذه الظاهرة والجميع يعرف ذلك، حيث كانت الأعراف والتقاليد الإجتماعية هي من تحكم وتضع السلوك العام ومن يخرج عن ذلك فهو منحرف منبوذ في عرف المجتمع
فما الذي تغيّر اليوم وما الذي جعل المستقبَح والمُنكَر في عرف المجتمع قبل أعوام مباحًا حلالا اليوم!! إنها العادة ياصديقي وهذا ما كنا نخشاه أن تتحول الظاهرة الى عادة وطبع هذا المرض الخطير الذي يفتك بالمجتمعات ويحولها الى بؤرة للفساد والقبح أعاذنا الله.
هذه الظاهرة لم تكن لتحدث إطلاقًا في مجتمع كان يحكمه رسول الله”صلى الله عليه وآله وسلم” أتعلم لماذا لأن الرسول الأعظم قد قضى تمامًا على أسباب ووسائل الإنحراف فلا يمكن أن نتصور صدور مثل هذه الظاهرة في ذلك المجتمع المتكامل.
هذا اللّحاظ [النظر لأساب نشأة الظاهرة ودوافعها] هو ما لاحظه مرجع عراقي معاصر وهو المرجع الأستاذ الصرخي حينما أدرك هذا الإنحراف والسلوك الخطير الذي أصاب المجتمع فوضع يده على مسببات ودوافع نشأة هذا السلوك وطرح العلاج المناسب بعدّة وسائل متمثلًا تارة بالتصدي الفكري لمنابع الإنحراف وهي المناهج والأنظمة الغربية فطرح كتابه القيّم والرائع[فلسفتنا بأسلوب وبيان واضح] والذي يثبت فيه فشل تلك الأنظمة في قيادة نفسها فضلا عن قيادة العالم وتسببها بكل المآسي والمحن والإنحراف والشذوذ الأخلاقي للمجتمعات فحذّر من خطورتها ومغبة الإغترار بوعودها وبهارجها المغرية.
وفي جانب آخر وكعلاج عملي واقعي أيضا فتح بابًا آخر للهداية لإنتشال الشباب وإنقاذهم من هذا السقوط والمنحدر الخطير فأسس لمجالس العزاء [ مجالس #الشور وهي مجالس عزاء حسينية معروفة لدى المجتمع العراقي في المناطق الوسطى] وهنا كانت المفاجأة حيث إستجاب لهذه الدعوى والمبادرة التي طرحها المرجع آلاف الشباب والغريب لم يكن هولاء الشباب والأشبال من مقلدي المرجع الصرخي حصرًا بل كانوا من مختلف فئات المجتمع ومنهم من لم يكن يعرف ماهو التقليد والمرجع مطلقا!!.