في لقاء تلفزيوني جمع السيد وزير التجارة الأستاذ أثير داود الغريري، ورجل الإنسانية العقيد عزيز ناصر، الذي عُرف بمساعدته للناس، ظهرت امرأة فقيرة تعيش في بيت سقفه من الكرتون وبعض الصفائح المصنوعة من السكراب. كانت حالتها مأساوية بكل ما تعنيه الكلمة من بؤس وفقر.
لقد كانت لحظة مؤثرة حين انحنى الوزير بكامل إنسانيته أمام تلك المرأة الفقيرة، يربّت على كتفها، ويخاطبها بلغة الأمهات الطيّبات، لا بلغة السياسيين. دموعه لم تكن دموع مشهد عابر أو كاميرا إعلامية، بل كانت دموعًا خرجت من قلبٍ موجوع، رأى في وجه تلك المرأة وجوه آلاف الأمهات المنسيات، وفي كلماتها صرخة وطنٍ موجوع.
ما أن أمسكت بيده، حتى شعرت كأنها وجدت أخيرًا من يسمع صوتها، لا كوزيرٍ بل كإنسانٍ يشاركها الألم. خاطبها بكلمات مليئة بالعطف والحنان، وطمأنها بأنها ليست وحدها، وأن صوتها سيصل، وحقها لن يُهدر.
لقد جسّد معاليه في تلك اللحظة مثالًا نادرًا للمسؤول الإنسان، الذي لا تمنعه المناصب ولا البروتوكولات من أن يضع كفه في كفّ فقيرة، وأن يبكي أمام الملأ دون خجل، لأن قلبه سبق المنصب، ولأن الضمير فيه لم يمت.
ما جذبني في هذا اللقاء أنني شاهدت دموع الوزير تغرق عينيه، ليس تمثيلًا، ولا دفاعًا عن دولةٍ أهملت شعبها، بل من باب الإنسانية التي يحملها في داخله.
نعم، يا معالي الوزير، هناك آلاف العائلات مثل تلك التي تفقدتموها اليوم، ينتظرون الدعم والعون، ولا ملجأ لهم إلا الله سبحانه وتعالى.
يا معالي الوزير، عندما ترى مثل هذه العوائل وتنهار باكيًا أمامهم، نعلم أن داخلك إنسانٌ نبيل، يحمل الخُلق والرحمة. لكن لا بد لنا أن نحدثك عن الواقع العام.
لقد مسّ الفقرُ أبناءَ شعبك، وأصبح المحتاجون عاجزين عن الوصول إلى أبواب الوزراء والنواب، بسبب الحمايات ومدراء المكاتب الذين ينظرون إليهم كمواطنين من الدرجة الثانية.
يا معالي الوزير،
دموعك غالية على قلوبنا، ولكن رغيف الخبز بات أغلى من قدرتنا على شرائه. أبناء شعبك يعانون، ويتدافعون في دوائر الدولة ومكاتب النواب للحصول على راتب رعاية لا يسد رمق العيش، وربما لا يكفي لشراء الدواء، في بلدٍ يعاني أهله من أمراضٍ مزمنة لا ترحم.
يا معالي الوزير،
تلك المرأة العراقية الشريفة، العفيفة، الكريمة بأصلها ونَسَبها، لم تطلب شيئًا لنفسها، بل قالت: “إذا متُّ، من يعيش مع هذا الإنسان العاجز؟” – تقصد ابنها المعوّق.
نعم، يا معالي الوزير، لقد أهملتنا الدولة، وأصبح بيننا وبين “المنطقة الخضراء” حاجزٌ كبير بُني من قلوبٍ غليظة، لا يرى المواطن البسيط فيه أي صلةٍ تُرجى.
اليوم، كنتُ أتمنى أن يكون جميع المسؤولين بمستوى إنسانيتكم، ويتفقدوا أحوال الناس مباشرة.
وهنا، لا يفوتني أن أشكر العقيد عزيز ناصر، رجل الشرطة الذي نتابع أخباره في الإعلام، ونعرف كم يحمل من إنسانية تنبع من عراقيته الأصيلة.
شكرًا لك، معالي وزير التجارة الأستاذ أثير الغريري، على إنسانيتك، وتواضعك، وتفضّلك بكسر الحاجز بين لقب “سعادة الوزير” وبين بساطة الفقير.