24 ديسمبر، 2024 11:29 م

منذ عشرين عاما من سقوط نظام صدام حسين ، تشكل العديد من الحكومات العراقية المتتابعة . وكسائر الأطراف السياسية الفاعلة في البلاد شارك الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس الراحل مام جلال بعدد من الوزراء في جميع تلك الحكومات ، بل أن هذا الحزب تسلم رئاسة الدولة لأربع دورات متتالية ، هذا بالإضافة إلى مناصب كبيرة أخرى في معظم مفاصل الدولة العراقية .

نحن نعلم بأنه مع سقوط نظام صدام وبدء العملية السياسية الجديدة في العراق استشرى فساد هائل في جميع أوصال الدولة العراقية واستعصت على الحكومات المتتابعة أية حلول أو جهود لمكافحة هذه الظاهرة المقيتة في البلاد . وما زالت الدولة تعاني إلى اليوم من هذه الظاهرة الشاذة ، وباستثناء بعض الحالات القليلة لم تجر محاسبة أي من الفاسدين وناهبي المال العام من الكبار بل استهدفت التحقيقات والملاحقات فقط الرؤوس الصغيرة . وملفات المحاكم المختصة وهيئات النزاهة تؤكد هذه الحقيقة .

اللافت للنظر أنه من بين كل الملفات التي تكشفت عن وجود حالات الفساد في دوائر الدولة وتلك التي تحولت إلى هيئة النزاهة لإجراء التحقيقات بشأنها ، لم نجد ولو ملف واحد يتهم فيه أي وزير من وزراء الاتحاد الوطني ، بل ولا مسؤول في المناصب الأدنى من الوزارة ، على العكس من جميع الأطراف والقوى السياسية المشاركة في تلك الحكومات التي لمعظمها ملفات وملفات بالفساد !!.

ففي الوقت الذي نسمع ونقرأ فيه عن هروب عدد من الوزراء السابقين التابعين لأحزاب السلطة والمتهمين بالفساد إلى خارج البلاد وأكثرهم متهمون بنهب المال العام أو اهداره أو تلقي الرشاوي أو قبض العمولات أو استغلال المناصب من أجل الاثراء غير المشروع ، لم نجد من بينهم أي وزير كردي من الاتحاد الوطني يهرب إلى خارج العراق أو يكون له ملف معروض على هيئة النزاهة في العراق . والسؤال الذي يطرح نفسه . ترى ما هو السر في ذلك ؟.

كان مام جلال رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني معروفا طوال حياته بالسخاء والكرم . فلم يزره أحد إلا وخرج بمكرمة أو عطاء من سيادته ، وكل من يطلب طلبا منه كان يلبيه من دون أي تردد . كانت كل أموال الدنيا لا تكفي هذا السخاء والكرم الحاتمي ، حتى أنني كنت أعلم أنه عندما ذهب إلى بغداد ليتولى منصبه كرئيس الدولة كان يأخذ من أموال الاتحاد الوطني في السليمانية ليصرفها في بغداد لأن ميزانية الرئاسة لم تكن تكفي لسد مصاريفه في العطاء والكرم !. هكذا كان يتصرف هذا الزعيم الراحل العظيم المؤتمن على أموال الدولة والشعب ، ولهذا كان كل وزرائه والمسؤولين من حزبه الذين يتسلمون مناصب في الدولة هم تلاميذ هذه المدرسة الطالبانية النزيهة فطهرت أياديهم من السرقات والنهب وعاشوا وما زالوا يعيشون مرفوعين الهام دون أن يتورطوا في ما يجري بالبلاد من سرقة أقوات الشعب واستنزاف مقدرات الدولة والاثراء غير المشروع .وكما قال الشاعر :

مشــى الطَّـاووس يومـاً باعـوجـاجٍ … فقلَّــدَ شـــكل مشـــيته بَنــوُهُ

فقــألَ عــلامَ تختـــالـون ؟ قــالوا : … بـدأتَ بـهِ ونحــنُ مقلَّـــدوهُ

فخَــالِـفْ سَــيركَ المعــوجَّ واعــدلْ … فإنِّــا إنْ عـدَلْــت معــدِّلــوهُ