أوقات صعبة وأزمة ليست كالأزمات التي مرت، منها من جمدت أو رحلت أو أخمدت ، صوت عالي وعالي جدا اسمع من به صمم مقابل أصوات خافتة تصل حد الهمس لا تكاد تسمع أصحابها ، تظاهرات منظمة بشكل ملفت ،شعارات تتصاعد كل أسبوع، خطابات مدروسة ، كلمات ليست متقاطعة ، ثبات نفسي لقادة المنصات نفس طويل غير معتاد للمواطن العراقي المعروف عنه العجالة في كل شيء ، أذن حالة مختلفة عن الحالات السابقة وهي محيرة لا يعقل بين الأمس وضحاه تعلمنا الوسائل الديمقراطية وطبقت كما ينبغي أن تكون ولا يمكن أن تكون ديمقراطية رياء أريد بها إحراج الحكومة، فالثبات على المواقف يحتاج إلى جهد وصبر ونظام وقيادة تسير الأمور، ولنفترض إن ساحات التظاهر والاعتصام تمارس حقها الديمقراطي بشكل سلمي وسليم ونترك البحث عن المستور بل نأخذ بما هو ظاهر ، هل كانت السلطات الثلاث على مستوى الحدث وهل تعاملت مع التظاهرات والمطالب بشكل يخفف من وطأة الأزمة وتطويقها ، لا نعتقد بان الإجابة ستكون لصالحهم.
في الجانب الحكومي وهو ليس الوحيد المعني بالأزمة ولكن تحمل ثقل أعباءها ولا نريد الآن الخوض في الجانب التشريعي والقضائي أنما نترك ذلك إلى بحث آخر ، نقول الحكومة ذهبت إلى الأزمة خالية اليدين وعادت منها بخفي حنين ، فهي على استحياء تقر بمشروعية بعض المطالب وهذه البعض تريد تجزئتها إلى جزء يخصها وأخريات تخص السلطات الأخرى مما إبطا التعامل الجدي معها.
نعم الحكومة مرتبكة والظروف التي تمر بها صعبة وفشلت في النفاذ إلى قلب الأزمة بحكمة وخبرة ودولة القانون والتحالف في حيرة من أمره في الوصول إلى تسوية مرضية تساعد على نزع الفتيل وحاولت القيادات في التحالف الابتعاد عن التصريحات المثيرة ضد المتظاهرين بل ذهب بعض مكونات التحالف إلى تأيد المطالب واقر بمشروعيتها وسارعت الحكومة حسب مقاييس السرعة لديها وخاصة بإطلاق سراح النساء المعتقلات وإطلاق سراح ممن لم تثبت إدانتهم أو من انتهت حكومياتهم، وسرعت بمعاملات التقاعد للمشمولين بقانون المسالة والعدالة ، صحيح المواجهة السلمية لحد ألان بين المتظاهرين والحكومة صعبة متصاعدة في ظل واقع متشابك إقليما ودوليا ،وصحيح إن دولة القانون تخسر من رصيدها شعبيا وإعلاميا في حالة استمرار الأزمة ولكن أقطاب القائمة العراقية في موقف أكثر صعوبة وأكثر ارتباكا وعلى المحك ،فهؤلاء فرحوا كثيرا في بداية الحدث وأرادوا أن يكونوا في طليعته ويقودوا التظاهرات إلى المسار الذي يخدم أهدافهم ويعزز من مكانتهم في البرلمان والحكومة ،ولكن تسارع وتيرة الإحداث وتصاعدها وسيطرة وجوه من الشيوخ والمشايخ على الساحات أوقعهم في المحظور وأبعدهم عن الصورة بل ابعدوا عن الساحات قسرا، وبركوا وسط الطريق عين على الحكومة وعين على الساحات ولم تنقذهم تصريحاتهم واعتراضاتهم و بيناتهم بل أبعدتهم أكثر عن طرفي الأزمة، دولة القانون تيقنت بأنهم غير مؤثرين في ساحات التظاهر ولا يصلحوا حتى وسطاء ، والمتظاهرون لم يعد يروا فيهم القدرة والفاعلية على تغير وإصلاح القرار الحكومي .
مقاطعة وزراء العراقية عدم حضور اجتماعات مجلس الوزراء يصب في الموضوع ذاته قرار من وجهة نظر البعض غير صحيح ولا ينسجم مع اشتداد الأزمة أنما هو تخبط في العمل السياسي يراد به إرسال إشارة تضامن مع المتظاهرين بعد أن أسقطوهم من حساباتهم وكان الأجدر الحضور والمطالبة وتفعيل اللجان لتنفيذ المطالب أو الاستقالة من المناصب الحكومية والبرلمانية، ولكن هذا لم ولن يحث سيعودون إلى المناصب والاجتماعات متسليين معتذرين بعد أن منحوا الإجازة الإجبارية كما عودوا الشعب، لا شئ أهم من الامتيازات والأموال والتجارة والسفر الدائم ، سيعودون ليس حبا بدولة القانون ولكن حبا بـ (الهريسة) قبل أن تبرد وتتجمد ويصعب التهامها.