23 ديسمبر، 2024 1:34 م

وزراء الأمس واليوم!!

وزراء الأمس واليوم!!

تقول المعلومات ان وزير التربيه العراقي محمد القيسى قدم استقالته في عام 1965 الى رئيس الوزراء طاهر يحيى لأن الحكومه  اقرت افتتاح  سباق الخيل “الرايسز”، موضحا في بيان الاستقالة   ” نظرا لان افتتاح الرايسز يتنافى وبرامج التربيه والتعليم اقدم استقالتى من عملي كوزيرللتربيه”، فيما يعاني العراق اليوم من تسيد المنصب بشكل لا يصدق ، بحيث أصبح هو الهم والغاية والوسيلة،  أما خدمة الوطن والعباد فهي قضية ليست مهمة.
 وبناء على المفاهيم الجديدة للمنصب فان سوء الأداء يزداد سوداوية، فيما الفساد الاداري والمالي أصبح مدعاة للتندر والحيرة في وقت واحد، بعد أن تربع العراق هرم قائمة الدول الأكثر فسادا في العالم ، لذلك ليس مستغربا أن تلغي الحكومة صفقة أسلحة مهمة مع روسيا بسبب عمولات ورشاوى،  كان مخصصا لها أن تودع في حسابات “حيتان كبيرة” تأكل الأخضر واليابس ، ولا يهمها من العراق سوى المزيد من السحت، وكأن المال هو الهدف والغاية،  أما بناء ما يسمونه العراق الديمقراطي فهي ،بالنسبة الى مسؤولين حكوميين وسياسيين من الخطوط الأولى، يافطة لمزيد من النهب.

ونحن هنا لا نضع الجميع في نفس القارب ، لكن المعطيات اليومية تؤكد بالملموس ان فن الادارة ومركزية الدولة وعدم التشبث بالكرسي حتى لو كان مكسورا، نقول أن هذه الأولويات المهمة ليست على رأس اهتمامات الكثير من المسؤولين في العراق، فتجد أياديهم وعقولهم مشغولة جدا  بالعطاءات التجارية والمقاولات والنسب المئوية، ما يجعل من التفاتهم  الى هموم الشعب مضيعة للوقت أو قضية ثانوية، فيما كانت ولا تزال ، عند غيرنا، هي الأساس في رضا الشعب عن المسؤول من عدمه، رغم أن ذلك لم يعد مهما في العراق بسبب التوافقات والقوائم المغلقة والمحاصات.
وما يزيدمن الطين بلة ان الوزير في العراق الجديد يصرح عكس ما تقرره الحكومة  ، ويتصرف وكأن في دولة أخرى ، على غرار الجدل الذي رافق وفاة وعودة الحياة “غير الآمنة” للبطاقة التموينية، فوزير التجارة، خير الله حسن بابكر، يصف زملائه بالحكومة بأنهم ” ممثلي الكتل” وأنهم  وافقوا على قرار الغاء البطاقة التموينية وطالبوا بتخصيص أموال بدلاً عن البطاقة، إ”لا انهم حاليا ينفون ذلك”، فمن أين تأتي الشراكة والتفاهم ،  في وقت عبر وزراء عن اسفهم للتصويت على الغاء التموينية ، وكأن القضية مزاج شخصي أو مضاربة تجارية، ما يدفع الى التساؤل عن الكيفية التي يمكن من خلالها تقديم خدمات حقيقية ، والاضطلاع بالمسؤولية الوطنية في هكذا خيارات وتوجهات.
الله يكون في عون العراقيين لأنهم ينتظرون حلولا لمشاكلهم من مسؤولين تتنازعهم مواقف وتوجهات متداخلة في بعضها البعض، الا الفساد فانه الوحيد غير الطائفي ولا العرقي فهو موزع على الجميع، حتى وان كان بنسب متفاوتة، لكنها ليست بائسة قياسا بالخدمات غير المنظورة التي يحصل عليها المواطن العراقي من مسؤوليه ، وكان هذا المواطن ابتلي بعقم رحم اهتمام الدولة به أو النظر اليه بعين متفحصة ، لا عابرة من خلال نوافذ مظلمة، حال مواكب السيارات المسرعة والوجلة بكل الاتجاهات والتوقيتات.
من غير المعقول ان يتحدث باسم الحكومة العراقية كم هائل من المسؤولين، فيضيع الخيط والعصفور، وليس منطقيا هذا التسويف،  ومحاولة تحميل طرف دون غيره عناوين الاخفاق، مثلما بات مقلقا للغاية هذا التناحر، الذي يصل حد التخوين لوزراء فيما بينهم بصفقة مع هذا وعلاقة غير واضحة مع ذاك، فيما باخرة العراق يحاول أغلب الركاب فيها توسيع الثقب للتعجيل بغرقها لاسامح الله، وكم نحن بحاجة غير اعتيادية الى مسؤول ينظر الى الكرسي من خلال قدرته على تقديم الخدمات لا الحصول على الأكثر من المميزات، وتنويع معالم الاصطفافات فتكون لهم رجل في الحكومة والمعارضة اللفظية على طول الخط.
رحم الله القيسي وكل من عمل جاهدا لخدمة العراق وأهله، وقد حان الوقت كي يتبصر السياسيون في العراق بما قدموه أو يفكرون به يوما ما، لأن تصعيد المواقف بعد خسارة المنصب أو المسؤولية، ليست أجمل الطرق لتقليد ذكاء الحرباء، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، وعدم التشبث بكرسي المسؤولية رجولة وشهامة وطنية، وندعو من العزيز القدير أن يمد العراق وأهله بمسؤولين يحبون الوطن ويغارون على شعبه ، والأمل يبقى كبيرا، قناعة منا بأن رحم العراق ولاد!!