يقول الإمام علي (ع)في عهده لمالك الأشتر(رض)
(وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها، وإنما يُعوِزُ أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء، وقلة إنتفاعهم بالعبر)..، من هنا نستفهم كيف يكون خراب الأمة، فعندما يكون جلهم الحاكم وحاشيته هو الجمع والإكثر من ملاذات الدنيا، وهنا لا أريد أخذ دور الخطيب الناصح، بقدر ما أتمنى أن يلتفت الساسة إلى عمق المصيبة التي تحدث في البلاد، فطبقة سياسية منعمة تستأثر بعموم مغانم الدولة، أموال وحصانة من القضاء دستورية وغير دستورية وسفر وسياحة ووووو، وهم القلة النزيرة، وعموم الشعب يرزخ تحت طائلة الفقر والفوضى وضعف تطبيق القانون، وإن كان القانون يطبق بصرامة إتجاه خطأ الفقير.
أمام هذا المشهد المحبط والذي يبعث اليأس في قلوب الناس، تتعالى اليوم أصوات الساسة وليس غيرهم، وهم الذين أدرى بم يجري في كواليس السياسة، إن الحقائب الوزارية أصبحت عرضة للبيع والشراء، وكلما سمنت الوزارة أي إن تخصيصها المالي الكبير، غلا ثمنها وأزداد الطلب والتهافت عليها، وهذا ما أكده السيد مقتدى الصدر في رسالته للعامري زعيم إتلاف الفتح، وهذا منعطف خطير جدا” في العملية السياسية، والسؤال هل هذه الكارثة جديدة على العملية السياسية؟ من المعطيات التي على أرض الواقع، لمجريات العملية السياسية، إن هذه الظاهرة ليست وليدة الدورة البرلمانية الحالية، بل بدأت منذ نشأة العهد الدي مقراطي الجديد، ولكن تفاقمت من مرحلة إلى أخرى.
حيث عمدت الأحزاب السياسية للإستثار بمنصب الوزير أو ما يعادله من المناصب الأخرى، من أيام سلطة برايمر، وإيكال هذه المناصب للشخوص المتحزبة حصرا”، ثم جاءت المرحلة الأخرى بإختيار شخصيات يقال عنها مستقلة، وهي بالأصل خاضعة لسلطة الحزب الذي رشح تلك الشخصيات المستغَلة من الأحزاب، والمستغِـلة بنفس الوقت(إي الوزير المستقل) منصبه الوزاري لتحقيق مكاسب شخصية، بعيدة عن علم الأحزاب، بل وصل الأمر لبعض الشخصيات الإنقلاب على الحزب الذي رشحه، ومن باب الضربة الإستباقية التي أعدتها الأحزاب في هذه الدورة، ولضمان تحقيق أكبر قدر من المكاسب، على حساب شخصية الوزير، يبدو إنه أعد سعر لعموم وزارة( من باب اتغدى بيه قبل لا يتعشى بيه)، وأعتقد ذلك ملاحظ في 14 وزارة التي قدمها السيد عادل عبد المهدي، ونالت ثقة البرلمان.
ما الذي يترتب على هذه السابقة الخطيرة:
فعلى المستوى الدستوري نصت المادة16 على تكافؤ الفرص بين العراقيين، وهذه الطريقة لإستوزار الوزارة مخالفة دستورية، ومخالف لنصوص دستورية كثيرة.
على المستوى القانوني فإنه مخالفة قانونية، لأن ذلك يدخل في تحقيق الإستغلال الفاحش والإثراء على حساب المنصب الحكومي.
وسياسيا” يعني نظام سياسي جديد دكتاتوري النزعة وشمولي التوجه، ولكن عبر أحزاب متعددة، وليس حزب واحد، والتنافس لن يكون على حساب الكفاءة والنزاهة، يكون حكرا” على الأثرياء.
إجتماعيا” سوف يخلق مجتمع مختل بتوازنه المجتمعي، من خلال وجود أحزاب سياسية برجوازية، تستملك كل مقدرات الدولة وكأنها أرث لها دون الشعب، تقابلها طبقة فقيرة ومعدمة من عموم الشعب.
على المستوى المؤسساتي والخدمي، فإننا سوف نشهد تهاري نظام الدولة والمؤسسات مع تقادم الزمن، لأن أصحاب المناصب السيادية والخاصة سيحولون المؤسسات إلى دكاكين بيع وشراء، من أجل إسترجاع المبلغ الذي إبتاع به الوزارة، ثم تحقيق الربح المنشود جراء دفع تلك المبالغ مقدما”، وهذا ما سينعكس سلبا” على الواقع الخدمي، جراء إستشراء الفساد المالي والإداري، في مفاصل الدولة.
أيها الساسة إعتبروا بقول امير المؤمنين ع (فرض الله الأمانة نظاما” للأمة) وقال ع (الإنصاف يرفع الخلاف ويوجد الإئتلاف)..
فأحذروا نقمة الله ولكم عبرة فيمن سبقكم، فقد سكنتم في قصوره المشيدة، ودوره الممتدة على طول العراق، فأذله الله شر ذِلة، فكانت نهايته جحور الجرذان، وخزي وعار.. والعبرة لمن أعتبر.