اتسم سلوك وزارة النفط منذ تولي الوزير الحالي منصبه بما يلي: انعدام الشفافية شبه الكامل قدر تعلق الامر بالقضايا الاساسية للمشاريع والعقود والاتفاقيات المهمة؛ اللجوء الى الشركات الوسيطة والهزيلة فنيا وتقنيا وخبرةً ؛ اعادة تدوير نفس المشاريع والافكار بصيغة جديدة؛ عقد اتفاقيات بعضها هشة وبعضها مبهمة غير متناسقة؛ عدم تقديم ما يؤشر الى الجدوى الاقتصادية الفنية القانونية لما تعلنه من مشاريع او صفقات وبما يضمن مصلحة العراق؛ التخلي عن نموذج عقود الخدمة وتبني نموذج مماثل لعقود المشاركة في الانتاج لصالح الشركات النفطية الاجنبية وبما يتعارض مع الدستور العراقي.
ان التشخيص اعلاه لسلوك الوزارة يستند الى الادلة والشواهد المادية الموّثقة التي تم تجميعها من خلال متابعتي المتواصلة وتحليل ما تعلنه وزارة النفط ذاتها او ما ينشر في مصادر الصناعة النفطية الدولية او الاقليمية او المحلية. وقد سبق لي ان تناولت العديد من هذه السلوكيات في مساهماتي العديدة السابقة والتي نشرتْ ووزعتْ بشكل واسع وقمتُ بارسالها مباشرة الى وزارة النفط. ومن تلك المساهمات ما يتعلق بمصفى الزبير مع شركة ايني الايطالية بطاقة 300 الف برميل يوميا وكلفة تقديرية قدرها 4 بليون دولار حيث تكتمل المرحلة الاولى في 2025 بطاقة 150 الف برميل يوميا؛ وبعد تسعة اشهر من تصريح وزير النفط عن هذا المصفى لم يعلن عنه اي شيء. ونفس الامر ينطبق على مصفى الفاو الاستثماري بطاقة 300 الف برميل يوميا الذي روج له الوزير الاسبق جبار لعيبي بعد ان الغى مشروع الناصرية المتكامل (الذي تضمن تطوير كل من حقل الناصرية ومصفى الناصرية بطاقة 300 الف برميل يوميا)، لازلنا لا نعلم عن ما تحقق من مصفى الفاو الاستثماري. ثم عقد مشبوه، بين شركة ناقلات النفط العراقية لبناء ناقلتي نفط خام او للمشتقات النفطية مع شركة نرويجية هزيلة لخدمات الزوارق، بواسطة مقاول عراقي من محافظة دهوك يقدم خدمات لمعسكرات القوات الامريكية!! وتوقيع اتفاق مبادئ هش مع شركة الاوسط للخدمات المحدودة الاماراتية لمشروع مصفى الناصرية/ذي قار الاستثماري بطاقة 100 الف برميل يوميا. تم توقيع الاتفاق في 21 كانون ثاني هذا العام ويتضمن الانتهاء من النموذج الاقتصادي للعقد الاستثماري بعد ثلاثة اشهر ولكن لم يعلن اي شيء عن الانتهاء من اعداد هذا النموذج ولا على مصير هذا الاتفاق الهش مع شركة للخدمات المحدودة ولا يبدو ان لها اية خبرة موثقة بتشييد المصافي الحديثة. وعلى نفس السياق يبدو ان الوزارة لم تعد تتذكر او تهتم بمصفى ميسان الاستثماري الذي احيل منذ عدة سنوات الى شركة ستاريم السويسرية المفلسة ماليا وغير المؤهلة فنيا ولم يتجاوز التنفيذ مرحلة وضع حجر الاساس!!واخيرا احالة عقد تطوير حقل المنصورية الغازي الى شركة سينوبك (Sinopec) الصينية، المدرجة بالقائمة السوداء، وذلك ضمن جولة تراخيص، لم يعلن عنها، نظمتها الوزارة يوم 20 نيسان الماضي، وبعقد لم تعلن شروطه الاساسية ولكنه يميل الى ما يماثل عقود المشاركة بالانتاج!!.
سأحاول في هذه المداخلة تناول موضوعين اخرين اعلنت عنهما حديثا وزارة النفط وهما احالة حقل عكاز الغازي واتفاقية مبادئ مع شركة توتال الفرنسية.
حقل عكاز الغازي
تشير المعلومات المنشورة الى ان وزارة النفط تعاقدت او تنوي التعاقد مع ائتلاف يضم كل من شركة دلتا اويل السعودية وشركة شلمبرجر لتطوير حقل عكاز الغازي في محافظة الانبار. كالمعتاد لم توفر الوزارة معلومات عن نوعية وطبيعة العقد المنوي تبنيه ولكن سبق لوزير النفط ان صرح في شهر شباط الماضي ان العقد سيختلف عن العقد الذي وقع مع شركة كوكاز – الكورية بموجب جولة التراخيص الثالثة دون تقديم اية توضيحات اضافية.
ملاحظاتي على هذا الموضوع المهم وباختصار شديد ما يلي:
لحد تاريخه لم تعلن وزارة النفط اي شيء عن هذا الموضوع على موقعها الالكتروني ولم تصدر او ترسل، كعادتها، اي بيان، فلماذا هذا الصمت المريب والانعدام الغريب للشفافية؟ فهل هناك شيء مريب تُعتم عليه الوزارة؟
ليس لشركة دلتا اويل السعودية اية خبرة موّثقة ومعروفة في مجال تطوير الحقول الغازية او النفطية ولم يسبق لها تواجد في القطاع النفطي العراقي؛ فما هي المعايير التي اعتمدتها وزارة النفط في تقييم وتأهيل هذه الشركة الهزيلة؟ ومن الجدير بالذكر انه سبق لوكيل الوزارة حامد الزوبعي ان صرح عن اجراء مباحثات مع شركتي “سابك” و”ارامكو” السعوديتين لتطوير حقل عكاز ولكن الوزارة التزمت الصمت المطبق بشان تلك المباحثات؟ ولماذا الاصرار على الشركات السعودية حتى وان كانت هزيلة وغير متخصصة وغير مؤهلة، وهل هذا الاصرار يخدم مصلحة العراق الاقتصادية!؟
اما ما يتعلق بشركة شلمبرجر، فانها شركة خدمات نفطية دولية مرموقة ومتخصصة بحفر وخدمات حفر الابار ولها اتفاقية تعاون مع شركة الحفر العراقية، كما ولها تاريخ طويل في القطاع النفطي العراقي واخرها عقد حفر 40 بئرا في حقل مجنون. ولكنها ليست شركة متخصصة في تطوير الحقول الغازية ولم تدخل في اي من التحالفات التي اشتركت في جميع جولات التراخيص الاربعة. وهذا يعني ضعف الجوانب الفنية والتقنية والتنفيذية لهذا الائتلاف (دلتا اويل- شلمبرجر) مما يشكك في احتمالية تنفيذ حقل عكاز الغازي بشكل كفوء فنيا واقتصاديا. على وزارة النفط الالتزام بالمبدأ الدستوري الذي يؤكد على تحقيق اعلى منفعة للشعب العراقي وعدم التضحية بمصلحة العراق لصالح الشركات السعودية الهزيلة!!!
لحد تاريخه لم تبين وزارة النفط اي شيء عن العقد الجديد الذي يحكم تطوير الحقل؛ وهذا استمرار لممارسات انعدام الشفافية فلماذا الصمت وهل هناك شيء خطير ومخالف للدستور تحاول الوزارة اخفاءه الى حين!!!؟؟؟
لازال الغموض يشوب مصير عقد الخدمة الذي وقع مع شركة كوكاز الكورية بموجب جولة التراخيص الثالثة؛ فهل تم انهاء ذلك العقد رضائيا ومتى تم ذلك وضمن اية شروط؟؟ ام ستواجه الوزارة قضية تحكيم دولية اذا ما قررت شركة كوكاز الكورية سلوك هذا البديل التعاقدي!! هنا ايضا تلتزم الوزارة الصمت وتنعدم الشفافية رغم خطورة اللجوء الى بديل التحكيم الدولي.
تشير الوثائق الرسمية، الصادرة عن شركة نفط الوسط (التي يرتبط بها اداريا حقل عكاز)، الى موافقة وزير النفط الاسبق جبار لعيبي في شهر كانون اول 2018 على دفع “مبلغ (66) مليون دولار استثناء من شروط عقد الخدمة لحقل عكاز الى شركة كوكاز..”، فما هو مصير هذا المبلغ وكيفية معالجة ما قامت بإنجازه شركة كوكاز والتي تم تدميرها من قبل داعش منذ عام 2014؟ وكيفية معالجة ذلك في العقد الجديد مع ائتلاف (دلتا اويل- شلمبرجر)!!؟؟
في ضوء ما تقدم فان احالة عقد تطوير حقل عكاز لا بد ان يستند الى دراسة جدوى اقتصادية رصينة تأخذ بعين الاعتبار تقييم ما انجزته شركة كوكاز الكورية والتي سيتم استخدامها في تطوير الحقل، طبيعة ونوعية العقد الجديد، الخطة الجديدة لتطوير الحقل ومراحلها ان كانت تختلف كليا او جزئيا عما كانت عليه الحال مع شركة كوكاز الكورية، وغيرها من المتغيرات المهمة والمحددة للجدوى الاقتصادية والفنية والقانونية لتطوير الحقل. انه من المؤسف ان وزارة النفط لم تذكر لحد الان اي شيء عن هذا الموضوع المهم للغاية والمطلوب توفيره قانونيا!!!
اتفاقية مبادئ مع شركة توتال الفرنسية
بموجب بيان مقتضب للمكتب الاعلامي بتاريخ 29 اذار الماضي فقد وقعت الوزارة مع شركة توتال (التي غيرت اسمها حديثا الى توتال انرجيز TotalEnergies) الفرنسية اتفاقية مبادئ Heads of Agreement تتعلق، حسب تصريح وزير النفط، “بتنفيذ اربعة مشاريع عملاقة”. هذه المشاريع هي، باختصار شديد، الاول ” مشروع جمع وتكرير الغاز في كافة الحقول خارج اتفاقية غاز البصرة وهي حقول ( ارطاوي، غرب القرنة 2، مجنون، الطوبة، اللحيس) التي تحرق كميات كبيرة فيها من الغاز” والثاني ” مشروع ماء البحر المتكامل والتي كانت الوزارة تحاول تنفيذه منذ اكثر من عشر سنوات” و الثالث هو ” مشروع تطوير حقل ارطاوي بهدف تعظيم امكانيات امدادات الغاز واستثمار كامل الكمية من الحقول التي تحتوي على نسب عالية من انتاج الغاز الطبيعي” اما المشروع الرابع فهو “انشاء منشآت لانتاج 1000 ميكا واط من الطاقة الكهربائية بالاعتماد على الطاقة الشمسية”
ملاحظاتي على هذه الاتفاقية مع شركة توتال ما يلي:
هذه الاتفاقية، مهما كانت تسميتها، مهمة لشركة توتال لان مساهمة هذه الشركة في حقول جولات التراخيص كانت متواضعة للغاية وتنحصر بنسبة 18.75% في حقل الحلفاية لا تتناسب مع امكانيات الشركة ولا مع تاريخ تواجدها الطويل في القطاع النفطي العراقي. اي ان لهذه الاتفاقية اهمية استراتيجية لشركة توتال مما يعني انها ورقة تفاوضية جيدة لدى وزارة النفط وعليها استخدامها بعناية لخدمة المصلحة العليا للشعب العراقي كما يتطلبها ويؤكد عليها الدستور العراقي.
الا ان اهمية هذه الاتفاقية لشركة توتال لا تتطابق بالضرورة مع المصلحة والامن الاقتصادي للعراق. ولابد للتاكيد هنا على خطأ وزارة النفط في اعادة وتكرار التجربة الفاشلة مع شركة اكسون موبل في تجميع عدة مشاريع مختلفة بعقد واحد على شاكلة مشروع جنوب العراق المتكامل (SIIP).
والغريب في الامر ان مشاريع هذه الاتفاقية تجاوزت القطاع النفطي الى قطاع توليد الطاقة الكهربائية (الشمسية) والتي تقع، تنظيميا ومؤسساتيا، ضمن اختصاص وزارة الكهرباء من جهة وان طبيعة عقود القطاع النفطي تختلف نوعيا، من النواحي الاقتصادية والهيكلية والقانونية والزمنية، عن عقود توليد الطاقة الشمسية؛ فما هي الحكمة، ان وجدت، في هذا التخبط والخلط بين مشاريع متباينة في عقد، او اتفاق، واحد!! وقد يتحجج البعض باهمية “الطاقة المتجددة” للمساهمة في معالجة شحة توفير الطاقة الكهربائية التي يعاني منها المواطن العراقي؛ وهذا صحيح ولكن لماذا لا تقوم وزارة الكهرباء بذلك بشكل مستقل ووفق دراسة جدوى اقتصادية فنية رصينة، بدلا من طرح العموميات (كما سأتناوله ادناه).
تم ضم الغاز المصاحب المنتج في حقل غرب القرنة 2 الى المشروع الثاني المدرج في هذه الاتفاقية. وهذا امر مريب للغاية وركيك من النواحي القانونية التعاقدية؛ فعقد الخدمة لجولة التراخيص الثانية، التي تشمل حقل غرب القرنة 2، يلزم الشركات المتعاقدة بمعالجة وتكرير الغاز لقاء اجور خدمة لما يعادل برميل النفط المتعاقد عليه (المادة العشرة). ان ضم الغاز المصاحب المنتج في حقل غرب القرنة 2 الى المشروع الثاني المدرج في هذه الاتفاقية قد يشكل مخالفة تعاقدية من قبل وزارة النفط. كذلك وكما تشير المعلومات، ان شركة لوك اويل الروسية (الوحيدة في حقل غرب القرنة 2) سبق وان اعدت وقدمت دراسة وخطة الجدوى الاقتصادية والفنية المتعلقة بالغاز المصاحب المنتج من هذا الحقل (حسب المادة 10 فقرة 4) وان انجازاتها الاخيرة بالانتاج من مكمن اليمامة ستدفع بانتاج الحقل الى حوالي 800 الف برميل يوميا من النفط الخام، كما ان نجاحها في الرقعة الاستكشافية العاشرة ادت الى اكتشاف حقل أريدو النفطي الذي يتوقع ان يصل انتاجه 250 الف برميل يوميا في 2027. كل هذه المعلومات ترجح كفة قيام شركة لوك اويل، وليس شركة توتال، بمعالجة الغاز المصاحب المنتج من حقلي غرب القرنة 2 وأريدو.
يضاف الى ذلك ان موضوع الغاز المصاحب المنتج، حاليا، من حقلي غرب القرنة 2 و، مستقبلا، من حقل أريدو محكوم بعقدين ملزمين للأطراف المتعاقدة، في حين ان ما تم مع شركة توتال مجرد اتفاق مبادئ قد تثمر المفاوضات بشأنه الى عقد او تنتهي بفشل وخاصة اذا كانت فترة سريان اتفاق المبادئ محددة زمنيا وقصيرة. وحتى في حالة نجاح المفاوضات فان التجربة العملية تشير الى ان الانتقال من مرحلة اتفاق المبادئ الى توقيع العقد قد يستغرق عدة سنوات ثم عدة سنوات اخرى لبداية التنفيذ لمشروع العقد. الامثلة في القطاع النفطي العراقي كثيرة منها من فشل فشلا ذريعا (مثل عقد مصفى ميسان الاستثماري مع شركة ستاريم) ومنها من نجح ولكن، بعد حوالي 13 سنة من توقيع اتفاق المبادئ، لم يتم تحقيق نصف الطاقة الانتاجية المحددة في العقد (مثل عقد شركة غاز البصرة بين شركة غاز الجنوب من جهة وائتلاف شركة شل- متسوبيشي من جهة اخرى)، فلماذا كل هذا التخبط!!
تباينت تصريحات المسؤولين في الوزارة حتى على تسمية ما تم التوقيع عليه مع شركة توتال بين “اتفاقية مبادئ” و”مذكرات نهائية” للمشاريع الاربعة و” اتفاقية اطارية”. ولكن لحد الان لم يتم نشر نص الوثيقة الرسمية التي تم توقيعها بين الوزارة والشركة ولم تصرح وزارة النفط بالمضامين الاساسية وخاصة ما يتعلق بالجوانب المالية والاقتصادية والتعاقدية لأي من “المشاريع العملاقة الاربعة” المذكورة اعلاه.
منذ اكثر من عشر سنوات تتكلم الوزارة عن وتتفاوض بشان مشروع حقن ماء البحر تارةً كمشروع لوحده CSSP وتارةً ضمن مشروع جنوب العراق المتكامل مع اكسون موبل وبكلفة خيالية لمشروع SIIP تبلغ 53 بليون دولار والان ضمن اتفاق توتال المبهم. لقد كتبتُ وكتب غيري الكثير عن اهمية واولوية مشروع حقن ماء البحر طيلة العشر سنوات الماضية والوزارة لازالت تعيد وتكرر طرح المشروع. فلماذا لا تقوم وزارة النفط بتنفيذ مشروع حقن ماء البحر بالجهد الوطني عن طريق شركة المشاريع النفطية بدلا من الانتظار لسنوات عديدة للتفاوض مع وتنفيذ شركة توتال “للمشاريع العملاقة الاربعة”.
تعلم وزارة النفط جيدا بانه لا يمكن تحقيق هدفها الجديد لانتاج النفط وادامته وهو الوصول الى طاقة انتاجية قدرها 8 مليون برميل يوميا بحدود 2030 بدون مشروع حقن ماء البحر بطاقة تتناسب مع احتياجات الحقول النفطية وخاصة في جنوب العراق حيث تشير المعلومات الفنية ان لإنتاج برميل نفط يتطلب ما بين برميل ونصف الى برميلين من ماء الحقن. ولابد من الاشارة الى انه سبق لشركة نفط البصرة ان وقعت في شهر مايس 2019 رسالة نوايا مع شركة هيونداي بشان مشروع معالجة ماء البحر بكلفة 2.45 بليون دولار وبطاقة 5 مليون برميل يوميا على ان ينجز المشروع خلال 49 شهرا، فما حل بهذا المشروع!!
ملاحظات ختامية
لا علم لي عن اسباب ودوافع الوزارة في عدم الافصاح وبكل شفافية عن ما توقعه من اتفاقيات ولا طبيعة العقود ولا مبررات التعاقد مع شركات غير رصينة وغير متخصصة ولا.. ولا.. وغير ذلك من التساؤلات العديدة المذكورة في مداخلاتي السابقة والحالية.
ولكن كل ذلك يشكل ادلة مادية على انعدام الشفافية وعلى الاصرار في ممارسة انعدام الشفافية. يمكن تفسير سلوك الوزارة بأحد الحجج التالية: لا تملك الوزارة الاجابة على هذه التساؤلات؛ لا تستطيع الوزارة الاجابة على هذه التساؤلات لأسباب مجهولة ؛ لا تعتقد الوزارة بانها ملزمة بالإجابة على هذه التساؤلات!! كل هذه الحجج المحتملة انما تؤشر الى ممارسات خاطئة ومريبة ومضرة تقوم بها وزارة النفط ولا يجوز السكوت على ذلك مطلقا!!
اثبتت التجارب والشواهد المادية ان اللجوء الى دمج “عدة مشاريع عملاقة بعقد واحد مع شركة واحدة” غير مجدي وغير مبرر وغير قابل للتنفيذ الكفوء ومهدد للأمن الاقتصادي الوطني وخاصة عند عدم وجود دراسة جدوى اقتصادية وفنية وقانونية، وان الاصرار على هذه المنهجية في الدمج يقود، باحتمالية عالية، الى عدم تنفيذ تلك المشاريع العملاقة او التأخير الكبير والمؤثر في اكمال تنفيذ.
ومما يثير الكثير من الاستغراب والتساؤل ما ورد في وسائل الاعلام عن موافقة مجلس الوزراء في بداية حزيران الحالي على توجيه “دعوة حصرية”، اي بدون منافسة، لشركة توتال الفرنسية “للاستثمار في مشروع الطاقة الشمسية بسعة 1000 ميكاواط” دون اية اشارة الى الجدوى الاقتصادية وهيكلية المشروع وكلفته وموقعه والاطار الزمني لتنفيذه و طبيعة العقد الاستثماري وشروطه وغير ذلك من اساسيات احالة “المشاريع العملاقة”!!؟؟
والاكثر غرابة هو موافقة المجلس وفي نفس الجلسة على طلب وزارة الكهرباء بتوجيه “دعوة حصرية” اخرى، اي بدون منافسة، لإحالة “عقد” الى شركة باورجاينه PowerChina دون ذكر اية معلومات على الاطلاق عن هذا العقد!!!! كل هذا يجري رغم ان تحقيقات “لجنة الامر النيابي 62” المتعلقة بعمل وزارة الكهرباء “ترتب عليها خطوات تضمنت احالة اكثر من 56 ملفا الى هيئة النزاهة، تم التحقيق والتدقيق ب36 ملف احيلت الى قاضي التحقيق والمحاكم المختصة..”. علما ان الوثائق والتقارير والتحقيقات الاخرى عن مشكلة الفساد في وزارة الكهرباء عديدة ومعروفة ولا يجب تجاهلها؛ فالإحالات الحصرية بدون شفافية وبدون دراسات رصينة للجدوى الاقتصادية والفنية والقانونية انما تفتح الابواب واسعة امام الفساد المتجذر اصلا في وزارة الكهرباء.